للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومدّ جناحي طلها ألف الضحى ... فشدّت كما شد النعام المنفر١

بصم الحصى ترمي الحداة كأنما ... تغار على محبوها حين يذكر٢

إذا ما حروف العيس خطت بقفرة ... غدت موضع العنوان والعيس أسطر

فلله حرف لا ترام كأنها ... لوشك السرى حرف لدى الشد مضمر

وعارض الشيخ جمال الدين بن نباتة جماعة نسجوا على منواله في عصره، لكن الذوق السليم يشهد أنهم كانوا خلاسة قطره٣ وهذا الشرح هو جامعهم الكبير، وإذا ذكرت فيه نظائرهم، فاعلم أنه ليس له فيهم نظير.

نرجع إلى الاستخدام وشواهده وإيراد أبيات البديعيات فيه، فبيت صفي الدين قوله:

من كل أبلج واري الزندي يوم قرى ... مشمر عنه يوم الحرب مصطلم٤

وبيت العميان:

إن الغضى لست أنسى أهله فهم ... شلوه بين ضلوعي يوم بينهم٥

أقول لو عاش البحتري ما صبر للعميان على هذه السرقة الفاحشة، فإنهم أخذوا لفظه ومعناه، وضميره وما اختشوا من الحرب، ولا سلموا من النقد. وبيت عز الدين:

والعين قرت بهم لما بها سمحوا ... واستخدموها من الأعدا فلم تنم

قوله: والعين قرت بهم لما بها سمحوا، في غاية الحسن، فإنه أتى بالاستخدام وعود الضمير في شطر البيت، مع الانسجام والرقة واستخدامه في العين الناظرة وعين المال، وأما قوله في الشطر الثاني: واستخدموها من الأعدا فلم تنم، ما أعلم ما المراد به، فإنه الاستخدام في العين، التي هي الجارحة، قد تقدم، والذي يظهر لي أن اضطراره إلى تسمية النوع ألجأه إلى ذلك، وبيت بديعيتي:

واستخدموا العين مني فهي جارية ... وكم سمحت بها أيام عسرهم

فالتورية في جارية بعدما استخدموها، لم يوجد في سوق الرقيق مثلها، والعود بالضمير مع تمكن القافية وعدم التكلف والحشو، لا يخفى على أهل الذوق السليم، فإن قافية مصطلم، في بيت صفي الدين تمجه الأذواق. انتهى الكلام على الاستخدام


١ مد جناحي ظلها ألف الضحى: أي أصابها الحر.
٢ الحداة: جمع مفرده الحادي وهو الذي يحدو الإبل في سيرها يحثها على الإسراع.
٣ خلاسة قطره: أي أخذوا منه من خلص وهي أخذ خِلسة وخفية.
٤ الأبلج: الذي بَعُدَ ما بين حاجبيه، دلالة على عزيمته، وارى الزندي: هكذا في الأصل. والذي نراه واري الزند: معلم الزند - القِرى: الإطعام وقت الحاجة، مصطلم: أي مقطع الأذنين.
٥ شلوه: أرسلوه، وقد وردت هذه في بيت البحتري السابق: شبوه بمعنى: أشعلوه وأضرموه.

<<  <  ج: ص:  >  >>