للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطيب وأبي تمام فوجده على مذهبه، واجتمعا بعد ذلك بالشيخ أثير الدين أبي حيان، وذاكراه في ذلك فقدَّم أبا تمام، فلاماه على ذلك، فقال أنا لا أسمع لومًا في حبيب.

انتهى.

ومذهبي في ذلك مذهب الشيخ صلاح الدين ومذهب الشيخ جمال الدين، وإن كان الشيخ أثير الدين ما سمع في حبيبه لومًا، وخالف من لامه فيه، وفند١ فمن المستحيل رجوع أبي بكر عن حب أحمد، وقد عن لي أن أورد هنا ما سارت في الخافقين حكمه وأمثاله، وانقاد أهل الذوق السليم لطاعته لما ورد عليهم مثاله، وهو تأليفي الذي وسمته "بتغريد الصادح" وما ذاك إلا أن سيدنا ومولانا قاضي القضاة صدر الدين بن الآدمي، نور الله ضريحه وجعل من الحريق المختوم غبوقه وصبوحه، كان يقول: أورد أن أنتزع من الصادق والباغم٢ أرجوزة مشتملة على أمثلة مرقصة وحكم بديعة، بشرط أن يكون البيت مسنجمًا مع الذي قبله والذي بعده، ولم يتيسر لي ذلك لصعوبة المسلك، انتهى.

ولما قدر الله تعالى ما قدره من الاختفاء بدمشق، سنة ثلاث عشرة وثمانمائة عند حلول الملك الناصر بها، وأنا في خدمة المقر الأشرف القاضوي محمد بن البارزي الجهني الشافعي، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، كان الصادح والباغم بين كتبه فنظر فيه يومًا، وذكر قول قاضي القضاة صدر الدين، ورسم لي بذلك، فانتزعت له هذه الأرجوزة التي سارت غرر أمثالها، ولم يسمح الزمان لمؤلف بمثالها، ومن سافر فيها نظره وكان الذوق سليم رفيقه، علم أنها تضرب بها الأمثال على الحقيقة، وسميتها بتغريد الصادح، وصدرتها من نظمي بأبيات تقوم مقام الديباجة والخطبة هي:

الحمد لله الذي هذبنا ... واختارنا للعلم إذ أدبنا

فإن للآداب فضلًا يذكر ... فلا تخطاب كل من لا يشعر

يا مدَّعي الحكمة في كلامه ... ومن يروم السحر في نظامه٣

خد حكمًا وكلها أمثال ... ليس لها في عصرنا مثال

ألفها ابن حجة للنُجَبا ... لأن فيها رأس مال الأدبا٤

واختارها من مفردات الصادح ... فكان ذا من أكبر المصالح

من كل بيت إن تمثلت به ... سكنت من سامعه في قلبه


١ فند: بين الأسباب.
٢ الباغم: صاحب الصوت الرخيم.
٣ يروم: يقصد.
٤ النُجبا: ترخيم نجباء مفردها النجيب وهو الذكي.

<<  <  ج: ص:  >  >>