للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الدجى، ببنت مليك تطل من شباكها للنظر في موكب أبيها. وذلك عن مظان التشبيه بمعزل. ومقصوده أن البدر في حالة ظهوره من خلال الأغصان المتثنية على الصفة المذكورة، يشبه بنت مليك على تلك الحالة، تمثيلًا للهيئة الاجتماعية، لكن اللفظ لا يساعده على ذلك المطلوب، فإنه جعل الأغصان مبتدأ وأخبر عنه بقوله بنت مليك فلم يتم له المراد. على أن مقطوع الشيخ صلاح الدين، مع ما فيه من عدم بلاغة التشبيه، مأخوذ من قول محي الدين بن قرناص الحموي:

وحديقة غناء ينتظم الندى ... بفروعها كالدر في الأسلاك

والبدر يشرق من خلال غصونها ... مثل المليح يطل من شباك

قلت ليس لأهل النقد مدخل في هذا الشباك، انتهى ما أوردته هنا من التشبيه الذي هو غير بليغ في باب المحسوس بالمحسوس، وقد تقدم القول على موجب تقديمه في باب التشبيه، وتقرر أن مدركات السمع والبصر والذوق والشم واللمس التي هي الحواس الخمس، أوضح في الجملة مما لا تقع عليه الحواس. انتهى.

القسم الثاني وهو تشبيه المعقول بالمعقول: أقول إن هذا النوع في هذا الباب ليس له مواقع المحسوسات، وقد تكرر قولي في ذلك. وأحسن ما وجدت فيه، أعني تشبيه المعقول بالمعقول، قول أبي الطيب المتنبي:

كأن الهم مشغوف بقلبي ... فساعة هجرها يجد الوصالا

وظريف هنا قول القائل، من أبيات، مع بديع الاستطراد:

لقظ طويل تحت معنى قاصر ... كالعقل في عبد اللطيف الناظر

القسم الثالث تشبيه المعقول بالمحسوس: وهو إخراج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه الحاسة، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} ١ فتشبيه أعمال الكفار بالسراب، من أبلغ التشابيه وأبدعها. ومثله قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} ٢.

ومن النظم قول أبي علي ابن سينا:

إنما النفس كالزجاجة والعلـ ... ـم سراج وحكمة الله زيت


١ النور: ٢٤/ ٣٩.
٢ إبراهيم ١٤/ ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>