للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والذي سارت له به الركبان في هذا الباب قوله:

فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم

انتهى ما أوردته من تشبيه المحسوس بالمعقول، وتقرير صوابه وإيراد بديعه وغريبه.

وقد تقرر وتكرر أن تشبيه، وعلى أسّه شيد أصحاب البديعيات بيوتهم. ولكن بيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته، غير صالح للتجرد، فإنه متعلق بالبيت المشتمل على ائتلاف اللفظ مع المعنى، فتعين إيراد البيتين هنا لتظهر نتيجة التشبيه. فبيت ائتلاف اللفظ مع المعنى، في بديعيته، قوله:

كأنما حلق السعدي منتثرًا ... على الثرى بين منقض ومنفصم

وأتبعه بقوله في التشبيه:

حروف خط على طرس مقطعة ... جاءت بها يد غمر غير مفتهم١

قلت، الكمال لله، كل من البيتين فيه نقص، لافتقاره إلى الآخر، ولو تجرد أحدهما عن أخيه ما حسن السكوت عليه، ولا تمت به فائدة، وكيف يصح التشبيه في بيت واحد، وجل القصد به أن يكون بمجرده مثالًا للنوع المذكور، والمشبه في البيت الأول والمشبه به في البيت الثاني والذي أقوله إنني لم أر في البيت الأول، المشتمل على ائتلاف اللفظ مع المعنى، معنى، ولا على بيت التشبيه، الذي بعده، للبلاغة بهجة، لافتقاره إلى الأول، والله أعلم.

ومن غرائب ما ينقل هنا أن العميان ما نظموا نوع التشبيه في بديعيتهم، ونظموا رد العجز على الصدر، وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته، قوله في مديح النبي صلى الله عليه وسلم:

وقيل للبدر تشبيه إليه نعم ... نجم الثريا له كالنعل في القدم

بيت الشيخ عز الدين هنا صالح للتجريد، بخلاف بيت الشيخ صفي الدين، إذ المراد به أن يكون بمجرده شاهدًا على نوع التشبيه، ولكن معناه مأخوذ من بيت الفاضل، في قصيدته الطائية المشهورة، والبيت المأخوذ منه هذا المعنى قوله منها:

أما الثريا فنعل تحت أخمصه ... وكل قافية قالت لذلك طا


١ الغمر: الذي لا يفهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>