للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن ذلك قول الشاعر:

كأن انتضاء البدر من تحت غيمه ... نجاة من البأساء بعد وقوع١

ومن البديع الغريب، في هذا الباب، قول القاضي التنوخي:

أما ترى البرد قد وافت عساكره ... وعسكر الحر كيف انساب منطلقا

فانهض بنار إلى فحم كأنهما ... في العين وإنصاف قد اتفقا

جاءت ونحن كقلب الصب حين سلا ... بردًا فصرنا كقلب الصب إذ عشقا٢

ويعجبني هنا قول الصاحب بن عباد، وقد أهدى إلى القاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني عطرًا:

أديت عطرًا مثل طيب ثنائه ... فكأنما أهدى له أخلاقه

ومن التشابيه البليغة، في هذا الباب، قول الشهاب محمود في تشبيه بعض الحصون، والمبالغة في علوه:

كأنه وكأن الجو يكنفه ... وهم تكنفه في طيرها الفكر٣

وغاية الغايات في هذا الباب، أعني تشبيه المحسوس بالمعقول، قول أبي نواس رحمه الله:

معتقة صاغ المزاج رأسها ... أكاليل دار ما لناظمها سلك

جرت حركات الدهر فوق سكونها ... فذابت كذوب التبر أخلصه السبك٤

وأدرك منها الفائزون بقية ... من الروح في جسم أضر به النهك٥

وقد خفيت من لطفها فكأنها ... بقايا يقين كاد يذهبه الشك

ومثله قوله وأجاد فيه إلى الغاية:

وندمان سقيت الراح صرفًا ... وستر الليل منسدل السجوف٦

صفت وصفت زجاجتها عليها ... كمعنى دق في ذهن لطيف


١ الانتضاء: الانسلال، أو الخروج السريع.
٢ الصب: الرقيق القلب السريع الاشتياق.
٣ يكنف: يحيط به كالكنيف وهو السرور العالي.
٤ التبر: خلاصة الذهب.
٥ النهك: الإعياء.
٦ السجوف: جمع سجف وهو الستر.

<<  <  ج: ص:  >  >>