للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكان أقرب إلى المطابقة في التسمية، لأن الملفق مركب في الركنين، والمركب ركن واحد كلمة مفردة، والثاني مركب من كلمتين، وهذا هو التلفيق وما ألم بالملفق أحد من أصحاب البديعيات غير الشيخ صفي الدين الحلي، وما ذاك إلا أنه قال، في خطبة بديعيته، أنها نتيجة سبعين كتابًا في هذا الفن، وهذا دليل على أنه لما عارضه الشيخ عز الدين، والتزم تسمية الأنواع التي ذكرها الشيخ صفي الدين، لم يجد بدًّا من نظمه لأجل المعارضة، ولكن نحت فيه بيتًا من الجبال، وسيأتي. وأما العميان فإنهم عدوه في بديعيتهم من المركب، فاختصرته هنا، وكذلك بقية أبياتهم في أنواع الجناس تعين اختصارها، فإنهم لم يأتوا في البيت إلا بالنوع الواحد.

ومن الملفق في النظم قول الشاعر:

وكم لجباه الراغبين إليه من ... مجال سجود في مجالس جود

وما ألطف ما قال القاضي أبو علي عبد الباقي بن أبي حصين في هذا النوع، وقد ولي القضاء بالمعرة وهو ابن خمس وعشرين سنة، واقام في الحكم خمس سنين وهو:

وليت الحكم خمسًا وهي خمس ... لعمري والصبا في العنفوان

فلم تضع الأعادي قدر شاني ... ولا قالوا فلان قد رشاني

وأما أحلى قول الشيخ شرف الدين بن عنين في هذا الباب:

خبروها بأنه ما تصدى ... لسلو عنها ولو مات صدا١

ويعجبني قوله بعد المطلع:

وسلوها في زروة من خيال ... إن تكن لم تجد من الهجر بدا٢

وبيت الحلي في الملفق:

فقد ضمنت وجود الدمع من عدم ... لهم ولم أستطع من ذاك منع دمي

ولم يمكن الشيخ صفي الدين أن يحصر مع الملفق غيره من أنواع الجناس في بيت واحد، لما تقدم من صعوبة مسلكه، وهو عزيز الوقوع، ولكن له رونق وموقع في الذوق لطلاوة٣ تركيبه، وغرابة أسلوبه، وبيت الشيخ صفي الدين في غاية الرقة والانسجام،


١ سلو: نسيان.
٢ زروة: أي زراة.
٣ الطلاوة: الحسن والرونق.

<<  <  ج: ص:  >  >>