للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أن التحريف حكم عليه فصار مشوشًا، والمشوش كل جنس تجاذبه طرفان من الصنعة، فلا يمكن إطلاق أحدهما على الآخر، وبيت صفي الدين تجاذبه المحرف والملفق انتهى.

وبيت الشيخ عز الدين:

ملفق ظاهر سرى وشان دمي ... لما جرى من عيوني إذ وشى ندمي١

هذا البيت فيه الجناس الملفق على الصنعة، وتسميته على الشروط المذكورة، ولكن عجزت لعقاده تركيبه، عن الطيران بأجنحة الفهم لا أحوم له على معنى، ونظرت بعد ذلك في شرحه فوجدته قد قال: إن لفظه ملفق صفة للجار والمجرور في قوله فحيي سلمى وسل ما ركبت بشذا، يعني إن الشذا الذي أطلقته سلمى أمام الحي كان ملفقًا، وبيتي المسئول له من الله السلامة:

ورمت تلفيق صبري كي أرى قدمي ... يسعى معي فسعى لكن أراق دمي

والكلام في رقة قولي: ورمت تلفيق صبري إلخ البيت، إنما وقع من أصحاب الغراميات، لا من أصحاب البديعيات، وقد تقدم قولي: إن الفرقة الناجية من التعسف والتكلف، فيب النظم، لم ترض بالجناس إذا أمكنت التورية، وقال المقر المرحومي الفخري، في التورية التي سماها جناسًا ملفقًا:

إن الهواءين يا معشوق قد عبثا ... بالروح والجسم في سري وفي علني

فالرروح تفديك بالممدود قد تلفت ... والجسم حوشيت بالمقصور فيك فني٢

وأنشدني، من لفظه لنفسه، علامة عصره الشيخ بدر الدين الدماميني:

تدري لماذا أتاك قلبي ... في عسكر الوحد وهو ذائب

أذنب ثم اختشى فوافى ... من ذلك الذنب فيك تائب

وأنشدني، من لظفه لنفسه الكريمة، أحد أعيان العصر ابن مكانس:

كمال أوصافي يا منيتي ... في الحب أن أصبحت مثل الخلال

وملت من سكر الهوى نشوة ... فارحم معنىً مغرمًا فيك مال٣


١ سرى: سار متخفيًّا - شان: عاب - وشى: دل.
٢ الممدود: الجسم - تلفت: خربت - المقصور: أو المقصورة وهي مكان الإقامة أو الصلاة والتورية في قوله: فيك فني التي يوهم لفظها بقوله في كفني.
٣ معنى: أسير الحب. أو الذي يعاني من الحب.

<<  <  ج: ص:  >  >>