الذي ترجع عندي أن قوله: وجاوزه أعقد من قول الشيخ جمال الدين: لا كله، والذي أقوله: إن كلًّا منهما في بابه بديع وغريب، وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة:
لم أنس موقفنا بكاظمة ... والعيش مثل الدار مسود
والدمع ينشد في مسائله ... هل بالطلول لسائل ردّ
ومثله قولي:
قف واستمع طربًا فليلى في الدجى ... باتت معانقتي ولكن في الكرى
وجرى لدمعي رقصة بخيالها ... أترى دري ذاك الرقيب بما جرى
ومن إيداعاتي الغريبة قولي من إعجاز الملحة:
تنكر الحال علينا عندما ... سال عليه العارض المسلسل
فعنه سلني إن ترد تعريفه ... فإنه منكر يا رجل
ومما انفرد به الشيخ جمال الدين بن نباتة -رحمه الله تعالى- تضمين أعجاز الملحة، والذي يؤيد انفراده حسن تخلصه من الغزل، وهو ماش على التضمين، إلى مدح قاضي القضاة، ولم يزل مستمرًا على غرر المدائح اللائقة بالقاضي إلى حسن الختام.
وضمن الشيخ زين الدين بن الوردي نبذة من أعجاز الملحة، ولم يفرغها في غير قوالب الغزل، فإن التخلص من الغزل إلى المدح من المستحيلات في هذا الباب، ولكن الشيخ جمال الدين بن نباتة كان في ذلك العصر نسيج وحده، ومن المعلوم أن الجماعة مثل الشيخ زين الدين بن الوردي، والشيخ صلاح الدين الصفدي، والشيخ برهان الدين القيراطي، وغيرهم ممن عاصره، ما منهم إلا من تطفل على موائد حلاواته النباتية. وقد عنَّ لي أن أورد هنا نبذة من التضمين للشيخين، وأجعل كلًّا من أبيات الشيخين وقفًا محبسًا على أصحاب الذوق السليم. قال الشيخ جمال الدين في المطلع:
صرفت فعلي في الأسى وقولي ... بحمد ذي الطول الشديد الحول١
وقال الشيخ زين الدين -رحمه الله تعالي- في المطلع:
يا سائلي عن الكلام المنتظم ... هو الذي في لفظ من أهوى قسم
هذا المطلع من إيداع الذي قصر فيه باع الشيخ زين الدين بن الوردي، فإنه صدر
١ الْحَوْل: القوة.