للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم أنس بالأمس خبازًا مررت به ... يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر١

ما بين رؤيتها في كفه كرة ... وبين رؤيتها قوراء كالقمر٢

إلا بمقدار ما تنداح دائرة ... في صفحة الماء يرمى فيه بالحجر٣

وأجمعوا على أن قول أبي الطيب من الاختراعات التي لم يسبق إليها، وهو قوله:

حلفت وفيًّا إن رُدِدْت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيا

قلت: أما أبو الطيب فإنه شن الغارات على معاني المتقدمين كثيرًا، وما خفي ما أورده عليه الحاتمي في الحاتمية، وكان قد عنَّ لي أن أورد، في هذا الشرح المبارك -له ولمن تقدمه ولمن تأخر عنه- جملة مستكثرة مما وقع لهم من معانيهم، من سلامة الاختراع بالنسبة إلى اطلاعي، وخفت أن يقع اختياري على معنى أعده لصاحبه من سلامة الاختراع، فيأتي من تبحر في اطلاعه على معنى له لغيره ممن تقدمه، فأضربت عن ذلك وجنحت إلى ذكر ما وقع لي في نظمي، من سلامة الاختراع التي لم أسبق إليها، ولا حام طائر فكر غيري عليها، فمن ذلك قولي من قصيدة رائية:

وحمرة الخد أبدت خيط عارضه ... فخلت كأس مدام وهو مشعور٤

ومذ بدت نسمات الثغر باردة ... بدا بإغضاء ذاك الجفن تكسير

وقلت منها في وصف القلم:

له يراع سعيد في تقلبه ... إن خط خطًّا أطاعته المقادير

ومنها:

وأشقر يده البيضاء غرته ... له إلى الرزق فوق الطرس تيسير٥

بل أسمر عينه السوداء يلحظها ... وهدب أجفانها تلك المشاعير٦


١ يدحو: يدوّر. الرقاقة: الرغيف ويروى: ما أنسى لا أنسى خبازًا مررت به.
٢ قوراء: لم تستكمل دورتها بعد.
٣ انداح: استدار.
٤ مشعور: مكسور دون انفصال أجزائه وتبعثرها.
٥ الطرس: ما يكتب عليه.
٦ المشاعير: الخطوط الدقيقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>