للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال دعبل: كان يتبع معانِيَّ فيأخذها، فقال له رجل في مجلسه: مثل ماذا أعزك الله؟ فقال: قلت:

وإنّ امرأ أسدى إلَيَّ بشافع ... إليه ويرجو الشكر مني لأحمق

فأخذه أبو تمام، وقال:

وإذا امرؤ أسدى إليك صنيعة ... من جاهه فكأنها من ماله

فقال الرجل: أحسن والله! فقال دعبل: كذبت والله، قبحك الله. فقال الرجل: إن كان سبقك بهذا المعنى وتبعته فما أحسنت، وإن كان أخذه منك فقد أجاد فصار أولى به منك على الحالين، فغضب دعبل وقام.

وقال بشار:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج١

فأحسن اتباعه سلم الخاسر، وقال:

من راقب الناس مات غمًا ... وفاز باللذة الجسور

فلما سمع بشار هذا البيت قال: قد ذهب ابن الفاعلة ببيتي.

وممن زاد على المتقدمين بحسن سبكه وعذوبة لفظه، ابن المعتز -رحمه الله- بقوله:

ولا ضوء هلال كاد يفضحه ... مثل القلامة قد قدت من الظفر٢

وهو مأخوذ من قول الأول:

كأن ابن ليلته جانح ... إلى مسقط الأفق من خنصر٣

وقال أبو العتاهية:

كم نعمة لا تستقل بشكرها ... لله في طي المكاره كامنه

فأحسن أبو تمام اتباعه فقال:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ... ويبتلى الله أدنى القوم بالنعم


١ الفاتك: الشجاع. اللهج: المثابر.
٢ القلامة: قصاصة الظفر. قُدّ: قُطِع.
٣ ابن ليلته: الهلال مضت عليه ليلة واحدة بعد المحاق. الخنصر: الأصبع الأصغر.

<<  <  ج: ص:  >  >>