للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأشواق كل مصونة ليس لها غير سواد النقس لثام. وتبدى لعلمه ورود المثال العالي بطيب تلك المعادن التي ود النسيم أن يقيدها ويحتبس، ولقد رافقها الاكتساب اللطيف ولكن سرق من طيب عرفها وتكلم بنفس، فأكرم به مثالًا أرانا خفر الملك على كل قرينة لها من حجب البلاغة ستور، وخدامها من سود سطورها وبيض طروسها عنبر وكافور، ورد صحف الصفاء صقيلة فتمثل فيها، وأظهر من أوراقه ثمرات المودة ونحن بيد القبول نجنيها، وقدم من ذلك الحرم الأحمدي فكان أكرم وافد قوبل منا بالإكرام، وفتح أبواب الدخول إلى السلام فسلمنا وقلنا لخواصنا ادخلوها بسلام. ولقد ثملنا بكأس إنشائه وهو بحضرتنا الشريفة دائر، وعلمنا أن هذا الإنشاء لا يصدر إلا من فاضل والفاضل لا ينسب إلا إلى الناصر، وتغزلنا في محاسنه بحيرة اليمن بعد تغزلنا بحيرة العلم، وراعنا تحمس بلاغته فقلنا هذا لا يصدر إلا من رب سيف وقلم، وود كل دوح أن يملأ طروس أوراقه بريحان سطوره، وتطفل كل روض أريض١ عند وروده على زهر منثوره، وقالت فصاحته وتلك البلاغة التي جاءت بسحر البيان، هل يفتى لنا بصدق المحبة فقال لهما القلب: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، فهذا نفس طيب عرفنا معدن طيبه فلم نقل من أين، وهذه سلافة إنشاء دارت سلطانياتها فأنشأت أهل الخافقين٢، وهذا سحر صدقت عزائمه في العطف والقبول بين الملكين، وأبطل هذا السحر الحلال ما حرم ببابل من سحر الملكين٣، واشتمل على نظم ونثر رأينا شعار السلطنة عليهما عيانا٤، كأن البلاغة قالت لهما قديمًا سنجعل لكما سلطانا٥، فيا له من مثال تدرع زرد ميماته فقلنا لا طعن فيك لطاعن، وتشرع طباق بديعه فكانت على أكناف النيل من أثره مساكن، وأطرب بأنفاس علمنا أنها من يراع ما برح بالسعادة موصولًا، وطاف في حضرتنا الشريفة بكاس يمانية كان مزاجها زنجبيلا٦. ولقد أكثر هذا المقال في كتابه المبين من إيناس الخطاب، وقضت به الوحشة أجلها فقلنا لكل أجل كتاب.

وهذا الجواب أيضًا، لولا خشية الإطالة لاستوعبته بكماله، فإن اليمن ما دخل إليها من الديار المصرية نظيره، والله أعلم.


١ الأريض: والأروض: الروض الذي كسى الأرض بالنبات.
٢ الخافقين: المشرق والمغرب.
٣ الملكين: هما هاروت وماروت اللذان ورد ذكرهما في قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ....... يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} البقرة: ٢/ ١٠٢.
٤ العيان: الظاهر للعين، الواضح.
٥ السلطان: السلطة والقوة.
٦ الزنجبيل: نوع من الشراب كالخمرة أو هو الخمرة ذاتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>