للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما خفي عن علمه الكريم أمر الذين نقضوا بيعتنا بعد الناصر فاشتروا الضلالة بالهدى، ودعوا سيوفهم الصقيلة لما حاق١ بهم المكر السيئ فأجابهم الصدا، ولم يكن لحرارة عزمنا الشريف عند عصيانهم البارد فترة٢، حتى أظهرنا تلون الشام من دمائهم على تدبيج الدروع ألوان النصرة، وأخذوا سريعًا شبان حرب ما شابت عوارضهم إلا بغبار الوقائع، وحكم برشدهم ولم يخرجوا من تحت حجر المقامع٣، وقد أسبع الله ظلال الملك وخيم به على الدولتين، ولم يظهرلمحراب بهجة إلا بهاتين القبيلتين، ولو صلت السيوف لغيرهما ما قبلت، أو صرفت العوامل٤ للإعراب عن سواهما ما عملت، وقد فهمنا كريم الالتفات إلى أن تدار كئوس الإنشاء بيننا ممزوجة بصافي المودة، وعلمنا أنها أحكام صحيحة في شرع الأخوة. وهذه الأحكام عندنا عمدة، وتالله لقد سابق القصد اليوسفي بسهام مراده إلى الغرض، وقضى حاجة في نفس يعقوب لي عنها عوض، ولم يبق إلا اتصال شمل الأوصال بكل رسالة سطور الأخوة في رقاعها محققة، وتصديق ما يقصه في الجواب فإن القصة اليوسفية ما برحت مصدقة، والله تعالى يمتع الأسماع والأبصار بمشاهدة مثلته وطيب أخباره، ويفكهنا من بين أوراقها بشهي ثماره.

ومما أنشأته بالديار المصرية، وحصل إجماع الأمة على أنه من الأفراد، تقليد مولانا قاضي القضاة جلال الدين شيخ الإسلام البلقيني -نور الله ضريحه- بعد عزل الهروي، ويوم قراءته بالجامع المؤيدي أرخه المؤرخون، وذكروا أنه لم يتفق بملك مصر يوم نظيره، وهو: الحمد لله الذي أبان فضل العرب على العجم في الكتاب والسنة، وأظهر جلال سراجهم المنير فأوضح بحسن تدريبه طريق الجنة، وأزال ظلم الجهل بنور هذا الجلال فله الحمد على هذه المنة، ونكرر حمده على نصرة أصحاب الشافعي وعود جيرته إلى منازلها العالية، ونشكره على نيل الغرض بسهام ابن إدريس فمن جهل أحكام القضاء أمست عليه قاضية، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نستعين بحسن أدائها على القضاء والقدر، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي من قابل شريعته المطهرة بدنس الجهل فقد كفر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أزالوا بفصاحتهم


١ حاق: أحاط وطوّق.
٢ فترة: وهن وضعف.
٣ المقامع: جمع مِقمعة وهي خشبة أو حديدة في طرفها سلك معدني أو خيط يضرب بها الحيوان والإنسان ليُقْمَع ويذل.
٤ العوامل: مصطلح نحوي يعني الكلام الذي يسبب رفعًا أو نصبًا أو جرًّا في غيره من الكلام، كالفعل مثلًا يعمل الرفع في الفاعل والنصب في المفعول به، والمبتدأ يعمل الرفع في الخبر، بينما الإبتداء يعمل الرفع في المبتدأ ... إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>