للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتالله لقد زادنا بحجبه في غيوم العزل علمًا بعلو مقداره، وكان عزلًا أظلمت بسببه الدنيا إلى أن من الله على المسلمين بإبداره، وقالت الأمة ذلك ما كنا نبغي، واستوفى كل عالم شروط المحبة واستوعب، وعلمنا أن الحكم العدل حكم بتقديم هذا الإمام بالموجب، أنلنا وظيفته غيره فزلزلت الأرض زلزالها، وقلنا يخف على قلبنا فأخرجت الأرض أثقالها، وأظهرنا جلال العرب فأطلقوا أعنة بلاغتهم في ميادين الفصاحة، وما أحقهم هنا بقول الفاضل: وتناجدت أهل نجد فكل صاح يا صباحه، وعلمنا أن هذا فضل رفل به أبناء العرب في حلل التقديم، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وامتلأ صحن جامع القلعة بحلاوة هذه البشرى، وهلل مؤذنوه وذكروا طلعته الجلالية فكبروا وأنشدوا:

لو أن مشتاقًا تكلف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر

وأزهرت هذه البشرى في ربيع ولكنه ربيع الأبرار الذي نزه الله روحه وريحانه عن كل نمام، وصان فيه المسلمين ممن يأكل أموال الناس بالباطل ويدلي بها إلى الحكام. ونشر الله أعلام كتب العلم وزاد الله بالسيف المؤيدي إسعافها. وكانت ستور الجهل قد أسبلت على التفاسير فأظهر السر للآي كشافها، أما القراءات فهي في قرى١ شيخ الإسلام وفضله فيها عاصم من الجهل ونافع٢ وأما الحديث فهو مجلي مبهماته بنور جلاله الساطع. وأما العربية فقد ظهر بعد وعر العجم تسهيلها، وشرعت بيوت العرب لشواهدها وأكرم نزيلها. وأما المعاني فقد أظهر الله بيانها وجليت بها عروس الأفراح واهتدينا بنور جلالها ففتحت لنا أبوابها بغير مفتاح. وأما المنطق فمقدمات منطقه العذب أرتنا نتائجه يقينًا، وأما العقليات فما رأينا لمن ناظره فيها في هذه المدة عقلًا ولولا الحياء لقلنا ولا دينا، وها هو قد نبه الفقه من سنة الغفلة بعدما أمرض الجهل عيونه وأرمد، والحاوي أظهر ما حواه من العلم بعدما كان هلك أسى وتجلد، والروضة أزهرت في حدائق هذه المسرة بين أوراقها فأينعت، ومدة الشافعية أصول دوحتها فتفرعت، وظهرت رفعة الرافعي في أفق كماله، ونور الله ضريح الشافعي بنور سراجه وبهجة جلاله.

"ولما كان" الجناب الكريم الجلالي هو الذي ناظرناه بغيره فقال نور الشريعة وهو أشهر من نار على علم:


١ قِرى: طعام الضيف أو قراءة.
٢ عاصم ونافع: من المقرئين الأفذاذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>