للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على عير بلاده فبادر إليه عزمنا المؤيدي وكسره، وقد أثرنا المقر بهذه البشرى التي عم فضلها برًّا وبحرًا، وحدثناه عن البحر ولا حرج وشرحنا له حالًا وصدرًا، ليأخذ حظه من هذه البشرى البحرية بالزيادة الوافرة وينشق من طيها نشرًا، فقد حملت له من طيبات ذلك النسيم أنفاسًا عاطره، والله تعالى يوصل بشائرنا الشريفة لسمعه الكريم ليصير بها في كل وقت مشنفًا، ولا برح من نيلنا المبارك وإنعامنا الشريف على كلا الحالين في وفا.

ومما انفردت بإنشائه: رسالة السكين، فإن الشيخ جمال الدين بن نباته سبق إلى رسالة السيف والقلم، وتقدمه أبو طاهر إسماعيل بن عبد الرزاق الأصفهاني إلى رسالة القوس. وكتاب الإنشاء لا بد لهم من سكين فقلت: وينهى وصول السكين التي قطع المملوك بها أوصال الجفاء، وأضافها إلى الأدوية فحصل بها البرء والشفاء، وتالله ما غابت إلا وصلت الآلام من تعثرها إلى الجفاء زرقاء١، كم ظهر للبيض منها ألوان، خرساء ومن العجائب أنها لسان كل عنوان، ما شاهدها موسى إلا سجد في محراب النصاب، وذل بعد أن خضعت له الرءوس والرقاب. كم أيقظت طرف القلم بعدما خط، وعلى الحقيقة ما رؤي مثلها قط، وكم وجد بها الصاحب في المضائق نفعًا، وحكم بحسن صحبتها قطعًا، ماضية العزم قاطعة السن فيها حدة الشباب من وجهين؛ لأنها بالناب والنصاب معلمة الطرفين، وأنملة صبح تقمعت بسواد الدجى، فعوذتها بالضحى والليل إذا سجى، ولسان برق امتد في ظلمات الليل، فتنكرت الأشعة الأنجم وما عرف منها سهيل٢، هذا وتقطيعها موزون إذ لم يتجاوز في عروض ضربها الحد، ومعلوم أن السيف والرمح لم يعرفا غير الجزر والمد.

من أجل ذا تدخل في مضائق ليس فيها قط مدخل، وكلما تفعله ترجزه والرمح في تعقيده مطول. إن هجعت بجفنها كانت أمضى من الطيف، وكم لها من خاصة جازت بها الحد على السيف. تنسى حلاوة العسال٣ فلا يظهر لطوله طائل، ويغني عن آله الحرب بإيقاع ضربها الداخل. إن مرت بكلها المحلى تركت المعادن عاطلة، ولم يسمع للحديد في هذه الواقعة مجادلة. شهد الرمح بعدالته أنها أقرب منه إلى الصواب، وحكم لها بصحة ذلك قبل أن يستكمل النصاب. ما طال في رأس القلم شعرة إلا سرحتها بإحسان، ولا طالعت كتابًا إلا أزالت غلطه بالكشط من رأس اللسان.


١ رزقاء: نافعة.
٢ سهيل: نجم يظهر في أواخر شهر تموز يقولون إن خروجه دليل على نضوج الفواكه وانقضاء القيظ، وفي المثل: إذا طلع سهيل رفع كيل، ووضع كيل يضرب في تبدل الأحكام.
٣ العسّال: الرمح. وهو في الأصل الذي يستخرج العسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>