للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعقد عليها الخناصر لأنها عِدَة، وتالله ما وقعت في قبضة إلا أطالت لسانها وتكلمت بحدّة. إن أدخلت إلى القراب كانت قد سبكت١ على الدخول، أو أبرزت من غيمه كان على طلعتها قبول. تطرف بأشعتها الباهرة عين الشمس، وبإقامتها الحد حافظت الأقلام على مواظبة الخمس٢. وكم لها من عجائب صار بها جدول السيف في بحر غمده كالغريق، ولو سمع بها قبل ضربه ما حمل التطريق, فلو عارضها أبو طاهر لعراك من قوسه الأذنين، وقال له جحدت رسالتك يا ذا القرنين. فإن جذبت إلى مقاومتها وكان لك يد تمتد، وصلت السكين إلى العظم وصار عليك قطع وانتهى أمرك إلى هذا الحد. وهل تعاند السكين صورة ليس لها من تركيب النظم، إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم. ولو لمحها الفاضل لحقق قوله إن خاطر سكينه كل، أو أدركها ابن نباتة ما أقر برسالة السيف وفل، وقال لقلم رسالته أطلق لسانك بشكر مواليك، وأخلص الطاعة لباريك، وما قصد المملوك الإيجاز في رسالة السكين ونظمها، إلا لتكون مختصرة كحجمها، لا زالت صدقات مهديها تنحف بما يذبح نحر فقري، وتأتي بما يشفي وإيهام التورية يقول ويبري.

قلت: الذي أوردته ههنا من إنشائي وإنشاء غيري، كان من الواجب؛ لأن الباب الذي تحتم عليّ شرحه وبيانه وإيضاحه، باب التسجيع، وهو عبارة عن علم الإنشاء، وقد تقدم تقرير السجع وأقسامه، وعلم أنها أربعة أقسام، وهي المطرّف والموازي والمشطر والمرصع، وذكرت فيه الفوائد التي منها أحكام الفواصل، وأوردت المباحث في الإنشاء الذي فيه نظر بالنسبة إلى الحالة التي هي المطلوب، وأوردت من بديع الإنشاء وغريبه، هذه النبذة التي هي من إنشائي وإنشاء غيري، ولولا خشية الإطالة لأوردت من ذلك ما يذبل عنده زهر المنثور، ويقرط٣ في قلائد النحور، ومن أراد البحث عن صحة ذلك فعليه بمصنفي المسمى: "بقهوة الإنشاء"، فإنه خمسة مجلدات، منها مجلد أنشأته بالبلاد الشامية، قبل أن أستقر منشئ دواوين الإنشاء الشريف بالديار المصرية والممالك الإسلامية، وثلاثة مجلدات أنشأتها عن مولانا السطان الملك المؤيد -سقى الله ثراه- ومجلد أنشأته عن الملك المظفر والملك الظاهر والملك الصالح، وعن مولانا السلطان الملك الأشرف، وعن مولانا أمير المؤمنين المعتضد بالله -زاده الله شرفًا وتعظيمًا. انتهى.


١ سبكت: جبلت عليه وفُطِرت فهو خُلق منها.
٢ الخمس: يعني الصلوات اليومية، والمواظبة عليها: المداومة.
٣ يُقرَّط: يجعل أقراطًا. القلائد: جمع قلادة وهي الحلية تلبسها المرأة في عنقها. والنحر: موضع القلادة "العنق وما يليه من الصدر".

<<  <  ج: ص:  >  >>