للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولي:

مرج حماة بنوا غيره ... زاد على المقياس في روضته

واغتاظ نمروذ دمشق له ... فقلت لا أفكر في غيضته

وقولي:

حضيت عزمي إليك شوقًا ... فلم أطق مكثة بأرض١

وحيث لم أحظ بالتلاقي ... فغايتي أن ألوم حضي

انتهى الكلام على الجناس اللفظي، وأما الجناس المقلوب، وسماه قوم جناس العكس، وهو الذي يشتمل كل واحد من ركنيه على حروف الآخر من غير زيادة ولا نقص، ويخالف أحدهما الآخر في الترتيب، كقوله تعالى حكاية عن هارون: {خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} ٢ ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ وارق" وما ألطف ما أشار الصاحب بن عباد إلى الجناس المقلوب، بقوله لأبي العباس بن الحرث في يوم قيظ، وقد طلب مروحة الخيش: ما يقول الشيخ في قلبه، يعني الخيش، ومروحة الخيش أحدثها بنو العباس، وذكرها الحريري في المقامات، وقال اسمعوا وقيتم الطيش، وأنشد لغزًا في مروحة الخيش:

وجارية في سيرها مشمعلة ... ولكن على أثر السير قفولها٣

لها سائق من جنسها يستحثها ... على أنه في الاحتثاث رسيلها

ترى في أوان القيظ تنطف بالندى ... ويبدو إذا ولى المصيف فحولها٤

وكان السبب في حدوث هذه المروحة أن هارون الرشيد دخل يومًا على أخته علية بنت المهدي، في يوم قيظ، فألقاها وقد صبغت ثيابها من زعفران وصندل٥ ونشرتها على الحبال لتجف، فجلس هارون قريبًا من الثياب المنشورة، فصارت الريح تمر على الثياب فتحمل منها ريحًا بليلة عطرة، فوجد لذلك راحة من الحر واستطابه، وأمر أن يصنع له مثل ذلك، وقال ابن الشريشي، في شرح المقامات: وهذه المروحة شبه الشراع للسفينة، تعلق بالسقف ويشد بها حبل وتبل بالماء وترش بالماورد، فإذا أراد الرجل في القائلة٦


١ حضب: أضرم وهيج وحض.
٢ طه: ٩٤/ ٢٠.
٣ مشمعلة: مشرفة - فقولها: رجوعها.
٤ القيظ: الحر الشديد وأيام الصيف.
٥ الصندل: شجر طيب الرائحة.
٦ القائلة: وقت القيلولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>