للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرادت أن تجانس، بين الجمال والجمال، فلم يساعدها الوزن ولا القافية، فعدلت إلى مرادفة الجمال بالأباعر، والذي يدل على مضمره اللفظة الظاهرة بالكناية اللطيفة، قول دعبل في امرأته سلمى:

إني أحبك حبًّا لو تضمنه ... سملى سميك ذاك الشاهق الراسي١

فالكناية اللطيفة في سميك، لأنها أشعرت أن الركن المضمر في سلمى يظهر منه جناس الإشارة بين الركن الظاهر والمضمر، في سلمى وسلمى الذي هو الجبل، ومثله قول الآخر:

وتحت البراقع مقلوبها ... تدب على ورد تلك الخدود٢

فكنى عن العقارب بمقلوب البراقع، ولا شك أن بين اللفظ المصرح به والمكنى عنه تجانسًا، ومثله قول الآخر، يهجو مغنيًا ثقيلًا:

قال غنيت ثقيلا ... قلت قد غنيت نفسك

ومن الكنايات بالمرادف، قول شرف الدين بن الحلاوي، وهو غاية في هذا النوع:

وبدت نظائر ثغره في قرطه ... فتشابها متخالفين فأشكلا٣

فرأيت تحت البدر سالفة الطلا ... ورأيت فوق الدر مسكرة الطلا٤

أراد أن يجانس بين سالفة الطلا وسلافة الطلا، فلم يساعده الوزن، فعدل بقوته إلى المسكرة وهي مرادفة السلافة، وقد تقدم أن الشيخ عز الدين الموصلي لم ينظم من المعنوي إلا هذا الضرب، وهو الذي أوجب تأخير بيته عن المناظرة، وقد تقرر أن الشاعر يريد في هذا النوع إظهار الركنين، فلا يساعده الوزن، فيعدل بحسن تصرفه إلى مرادفه، وأراد الشيخ عز الدين أن يمشي على هذا الطريق فحصل له في الطريق عقلة، فإنه قال:

وكافر يضمر الإحسان في عذل ... كظلمة الليل عن ذا المعنوي عمي

فالليل يسمى كافرًا وهو الذي يستر الأشياء، وكافر هنا بمعنى ساتر، وهذا هو الركن الذي أضمره عز الدين ورادفه بالظلمة، وكنى بها عنه، فظهر منها جناس الإشارة كافر


١ سلمى: جبل سلمى
٢ مقولبها: أي مقلوب البراقع وهو العقارب.
٣ القرط: ما تعلقه الفتاة في شحمة الأذن من در أو ذهب أو غيره - أشكلا: التبسا.
٤ سالفة الطلا: جانب العنق - مسكرة الطلا: الخمرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>