قال الشافعي: فَبَيِّنٌ في كتاب الله - عز وجل - أن الله أخبر عن المنافقين أنهم اتَّخذُوا أَيْمَانَهم جُنَّةً، يعني واللَّهُ أَعْلَمُ: مِن القَتْل، ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جُنة فقال:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}[المنافقون: ٣] بَعد الإيمان، كُفرًا، إذا سُئِلُوا عنه أنكرُوه، وأَظْهرُوا الإيمانَ وَأَقرُّوا به، وأظهروا التَّوبة مِنه وهم مُقِيمُون -فيما بينهم وبين الله تعالى- عَلى الكُفر، وقال الله جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ}[التوبة: ٧٤] فأخبر: بكفرهم، وجَحْدِهِم الكُفرَ، وكَذَّب سَرائِرَهُم بِجَحْدِهم، وذكر كُفرَهم في غير آيةٍ، وسَمَّاهم بالنفاق إذا أَظهرُوا الإيمان وكانوا على غيره، وقال:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[النساء: ١٤٥] فأخبر الله - عز وجل - عن المنافقين بالكفر، وحكم فيهم بعلمه مِن أسرار خلقه، ما لا يَعلَمُه غيرُه مِن أنهم في الدرك الأسفل مِن النار، وأنهم كاذبون بأَيْمَانهم، وحكم فيهم- في الدنيا- أن ما أظهروا مِن الإيمان- وإن كانوا به كَاذِبين- لَهُم جُنَّة مِن القَتْل، وهم المُسِرُّون الكُفر، المُظهِرُون
الإيمان، وبَيَّن على لِسَان نَبيِّه - صلى الله عليه وسلم - مِثل مَا أَنْزَل اللهُ - عز وجل - في كِتَابه» (١).
وأطال الكلام فيه.
قال الشافعي: «وأخبر الله - عز وجل - عن قوم مِن الأعراب فقال:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: ١٤]. فَأعْلَم: أَنْ لَم يَدْخُل الإيمان في قلوبهم، وأنهم أَظهرُوه، وحَقَن به دِماءَهُم.