للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان (*) موسى بن عيسى الهاشمي أمير مصر يوماً واقفاً في الميدان بمصر عند بركة الحبش، ودون الجبل (١)، في خطة بني وائل عند جبّان محمد بن مروان بن الحكم، فالتفت يميناً وشمالاً، ثم قال لمن حضره: تتأملون الذي أرى؟ فقالوا: وما يرى الأمير؟ فقال: أرى عجباً، ما هو في شيء من الدنيا، ثم أمسك طويلاً فقالوا يقول الأمير، فقال: أرى ميدان رهان، وجنان نخل، وبستان شجر، ومنازل سكنى، وذروة جبل (٢)، وجَبَّانَ أموات، ونهراً عجاجاً، وأرض زرع، ومراعي ماشية، ومرتع خيل، وصائد بحر، وقانص وحش، وملاح سفينة، وحادي إبل، ومفازة رمل، وسهلا وجبلا في أقل من ميل في ميل.

وقال المأمون لإبراهيم بن تميم عامل خراجه على مصر: صف لي مصر، وأوجز، فقال: جحفلة الفرس (٣) في الربيع، وعجزه في الرمل، يريد أنها برية بحرية يرتع الفرس في الربيع ويبرد في بروده.

ولمصر ربيع يبتدئ نباته في آخر بابه، ويستعمل في كيهك، وفيه تخرج الدواب للربيع من بزر القرط ويقال له البرسيم، يبتدأ بزره في بابه، ويحمدون الربيع في طوبة، لأنه يكون رطبا يغسل أجواف الدواب، وينقيها من الأدواء، ثم إذا اشتد عوده عقد الشحم في أجوافها.

وربيع مصر ليس له ابتداء أو انتهاء، ويعمل في الدواب ما لا تعمله حشائش الشامات والعراق، وإذا رعته النحل جاء طعم عسلها أطيب طعم في الدنيا، وله فضل عسل مصر على سائر الأعسال، وريف مصر أخصب الأرياف.


(*) من هذه العلامة إلى مثلها فى ص ٨٥ أورده ابن ظهيرة ص ١١٦ - ١٢٠ نقلا عن ابن زولاق.
(١) فى الأصلين «ودور الخيل» والمثبت لدى ابن ظهيرة ص ١١٦ وهو ينقل عن ابن زولاق.
(٢) فى الأصلين «ودور الخيل» وقد اتبعت ما ورد بفضائل مصر المحروسة لابن الكندى ص ٣٩، وكذلك ما ورد لدى ابن سعيد فى المغرب ص ٣، والنويرى فى نهاية الأرب ج ١ ص ٣٥٧، وهو ينقل عن ابن زولاق، والمقريزى فى الخطط ج ٢ ص ١٥٣
(٣) جحفلة الفرس: بمنزلة الشفة للإنسان.