للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان عمرو بن العاص يحض الناس في طوبة على الخروج للربيع، ويخطب بذلك في كل سنة.

وهذه الخطبة (١) أخبرني بها علي بن أحمد بن سلامة، قال: حدثني عبد الملك، أن يحيى بن بكير قال: حدثني أبي، حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري، عن بحير بن ذاخر المعافري قال: جئت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة بهجير (٢) وذلك آخر الشتاء بعد حميم (٣) النصارى بأيام يسيرة، فأطلنا الركوع إذ أقبل رجال بأيديهم السياط يزجرون الناس، فذعرت (٤) وقلت: يا أبت! من هؤلاء؟ فقال: يا بني! هؤلاء [أصحاب] (٥) الشرط، فأقام المؤذنون الصلاة، فصعد عمرو بن العاص فقام على المنبر، فرأيت رجلاً رَبعة قَصدَ (٦) القامة، وافر الهامة. أدعج أبلج (٧)، عليه ثياب موشاة، كأن بها العقيان (٨) تتألق، عليه حلة حمراء، وعمامة وجبة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه حمداً موجزاً، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ووعظ الناس، وأمرهم ونهاهم، فسمعته يقول ويَحُضُّ الناس على الزكاة، وصلة الأرحام، ويأمرهم بالاقتصاد، وينهاهم عن الفضول وكثرة العيال، وقال في ذلك:

يا معشر الناس: إياكم وخلالاً أربعاً، فإنها تدعو إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى الذل بعد العز، إياكم وكثرة العيال، وإخفاض الحال، وتضييع المال، والقيل بعد القال، في غير درك ولا نوال، ولا بد من فراغ يؤول المرء إليه، في توديع لجسمه، والتدبير لشأنه، وتخليته بين نفسه وبين


(١) أوردها ابن ظهيرة ص ١١٨ بقوله: «قال ابن زولاق: وهذه الخطبة أخبرنى بها على بن أحمد. . .». وانظر لذلك أيضا: فتوح مصر ص ١٦٦، والنجوم الزاهرة ج ١ ص ٧٢، وحسن المحاضرة ج ١ ص ١٥٣
(٢) الهجير: نصف النهار فى القيظ خاصة.
(٣) حميم النصارى: عيد من أعيادهم.
(٤) لدى ابن ظهيرة ص ١١٨ وهو ينقل عن ابن زولاق «فرعبت» والذعر: الخوف والفزع.
(٥) من الفضائل الباهرة
(٦) رجل قصد القامة: ليس بالطويل ولا بالقصير.
(٧) أدعج: واسع العينين. وأبلج: واضح الجبين.
(٨) ذهب متكاثف فى مناجمه، خالص مما يختلط به من الرمال والحجارة.