وكان آية في وضعه، فجاءها المخاض إلى جذع النخلة، فقالت:(يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً)[مريم: ٢٣] هي لم تتمن الموت لكنها تمنت أنه لم يأتها هذا الشيء حتى الموت (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً)[مريم: ٢٤] ، أي: عين تمشي تحت النخلة.
ثم قال:(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً)[مريم: ٢٥] ، تهز الجذع وهي امرأة قد أتاها المخاض، فتتساقط من هزها الرطب، رطباً جنيا لا يفسد إذا وقع على الأرض، وهذا خلاف العادة؛ فالعادة أن المرأة عند النفاس تكون ضعيفة، والعادة عند هز النخلة ألا تهز من أسفل، بل تهز من فوق، لأنها جذع لا تهتز لو هزها الإنسان، والعادة أيضاً أن الرطب إذا سقط؛ فإنه يسقط على الأرض ويتمزق، لكن الله قال:(تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً)[مريم: ٢٥، ٢٦] ، الله أكبر! فذلك من آيات الله عزَّ وجلَّ. فالله على كل شيء قدير.
ولما وضعت الولد أتت به قومها تحمله، تحمل طفلاً وهي لم تتزوج، فقالوا لها يعرضونها بالبغاء، قالوا:(يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً)[مريم: ٢٨] ، يعني كأنهم يقولون: من أين جاءك الزنى ـ نسأل الله العافية ـ وأبوك ليس امرأ سوء وأمك ليست بغية؟ وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان إذا زنى فقد يبتلى نسله بالزنى والعياذ بالله، كما جاء في الحديث في الأثر:((من زنى زنى أهله)) .
فهؤلاء قالوا: ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا، فألهمها الله