عزَّ وجلَّ فأشارت إلى الطفل، أشارت إليه فكأنهم سخروا بها، قالوا:(كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً)[مريم: ٢٩] ، هذا غير معقول!
ولكنه التفت إليهم وقال هذا الكلام البليغ العجيب. قال:(قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً)[مريم: ٣٠ ـ٣٣] سبع جمل ـ والله أكبر ـ من طفل في المهد.
ولكن لا تتعجب فإن قدرة الله فوق كل شيء، أليست جلودنا وأيدينا وأرجلنا وألسنتنا يوم القيامة تشهد علينا بما فعلنا؟ بلى. تشهد.
أليست الأرض تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها؟ بلى. الأرض تشهد بما عملت عليها من قول أو فعل (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)[الزلزلة: ٤، ٥] .
إذا هذا كلام عيسى بن مريم، تكلم بهذه الكلمات العظيمة، سبع جمل وهو في المهد.
أما الثاني: فهو صاحب جريج، وجريج رجل عابد، انعزل عن الناس، والعزلة خير إذا كان في الخلطة شر، أما إذا لم يكن في الخلطة شر؛ فالاختلاط بالناس أفضل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على