للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونسبح بحمده، ولكن عمر ـ رضي الله عنه ـ أراد أن يعرف ما مغزى هذه السورة، ولم يرد أن يعرف معناها التركيبي من حيث الألفاظ والكلمات.

فسال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما تقول في هذه السورة؟ قال: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني علامة قرب أجله، أعطاه الله آية: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) يعني فتح مكة، فإن ذلك علامة أجلك؛ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) فقال: ما أعلم فيها إلا ما علمت، وظهر بذلك فضل عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما.

وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يفطن لمغزى الآيات الكريمة، فإن المعنى الظاهر الذي يفهم من الكلمات والتركيبات؛ هذا أمر قد يكون سهلاً، لكن مغزى الآيات الذي أراده الله تعالى هو الذي قد يخفي على كثير من الناس، ويحتاج إلى فهم يؤتيه الله تعالى من يشاء.

وقوله تبارك وتعالى: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ، أي سبح الله مصحوباً بالحمد، فالباء هنا للمصاحبة، وذلك لأنه إذا كان التسبيح مصحوباً بالحمد فإنه به يتحقق الكمال، لأن الكمال لا يتحقق إلا بانتقاء العيوب، وثبوت صفات الكمال، فانتفاء العيوب مأخوذ من قوله: (فَسَبِّحْ) لأن التسبيح معناه التنزيه عن كل نقص وعيب، وثبوت الكمالات مأخوذ من قوله: (بِحَمْدِ) لأن الحمد هو وصف المحمود بالصفات الكاملة، وليس هو الثناء كما هو مشهور عند كثير من العلماء، إذا قالوا: الحمد هو الثناء على الله بالجميل، وبعضهم يقول: بالجميل الاختياري وما أشبه ذلك، والدليل على ذلك الحديث القدسي، حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن

<<  <  ج: ص:  >  >>