هنا تظهر عظمة هذا الرجل الذي لم يكن مهندساً ولم يكن متعلماً. لقد عرض عليهم أن يعمل عربة مستطيلة واطية تجرّها الثيران، لها ملاقيط من تحتها فهي تلتقط العمود، وتحمله من المزة إلى المسجد، وشكّوا في ذلك، فخبرّهم أنه رأى مثلها في مقاطع الحجارة في إيطاليا، فأقرّوه على صنعها، فصُنعت بإرشاده، وصارت تحمل العمود الهائل من الأعمدة القائمة اليوم في الأموي وتأتي به يحف بها الناس والشباب بالعراضات والأهازيج.
ولما وصل العمود الأول وشكرت اللجنة للسيد الحموي ما صنع، ضحك وقال لهم: أخبركم الآن بالحقيقة، أنا لم أر مثل هذه العربة في إيطاليا، ولا ذهبتُ إليها ولا إلى غيرها، ولكني خفتُ أن أقول لكم: إنها من اختراعي، فلا تقبلوها مني فزعمت أني رأيتها في إيطاليا.
وهذه العربة لا تزال موجودة، أرجو أن تُوضع في المتحف لتُعرض دليلاً على العبقرية الشامية.
وشُرع في البناء سنة ١٣١٤ هولم يبق في دمشق صاحب فنّ إلا وضع فنه في عمارة المسجد، ولا عامل إلا قصر عمله على المسجد، وكان يشتغل فيه كل يوم أكثر من خمسمئة عامل، فما مرت سنتان حتى أُنجز بناء النصف الشرقي من المسجد وفُرش بالسجاد وعُلقت فيه الثريّات والمصابيح وأُقيم حاجز من الخشب من غربيّه ووُضع المنبر إلى جنب محراب المالكية، وافتُتح في رمضان سنة ١٣١٦ هفي حفلة ضخمة حضرها الوالي والعلماء والوجهاء.
ثم بُدئ بالقسم الآخر، وكان أول ما بُني منه محراب الحنفية، وزخرفوه هذه الزخرفة التي تُرى الآن وبلغت نفقات بناء المحراب كما خبّرني الأستاذ الأسطواني ألف ليرة ذهبية، وقد لام الناس اللجنة على البداءة به، فاحتجت بأنه لو لم يُبدأ به لما بُني.