وتم بناء القسم الأوسط من المسجد في منتصف شعبان سنة ١٣١٨، واكتمل البناء كله واحتفل بافتتاحه في ٢٨ جمادى الأولى ١٣٢٠، بعد الحريق بتسع سنين فقط.
وبعد، يا أيها القراء، فإن هذا المسجد العظيم الذي يقطع السياح نصف كرة الأرض ليشاهدوه ويعجبوا من عظمته وجلاله، وهذه القبة السامقة التي لا يطاولها بناء في دمشق، بل تبدو العمارات معها كالصبية الصغار مع الرجل الطُّوال، وهذا الزخرف وهذا الجمال، كله من صنع أهل دمشق، أنفقوا عليه من أموالهم، وعملوه بأيديهم، وإن الذين هندسوه وعمروه كانوا جماعة من النجّارين الشاميين الذين لم يدرسوا في مدرسة ولم ينالوا شهادة في الهندسة، الحموي ومعاونوه والتوام وملص وإخوانهم، وإن الذين نقشوه هذا النقش البارع الذي جاء على مثال النقش القديم وأربى عليه هم أولاد أبي نجيب الدهان الشامي العامي، وأنهم هم الذين صنعوا هذه الشبابيك العجيبة الثلاثة التي هي فوق المحراب، والثلاثة المقابلة لها.
لقد بنت دمشق هذا المسجد العظيم على قلة العلم يومئذ، وضعف الأدوات، وفقد الآلات، ليقوم دليلاً على أن الإيمان والإخلاص يصنعان كل شيء.
فإذا شككتم في أن الإيمان يعمل العجائب ويأتي بالخوارق، فهاكم قبة الأموي قائمة تنطق، شاهدة بأن الإيمان قوة تدحر القوي، وكنز يزري بالكنوز.
ورحمة الله وتحياته وبركاته على كل من شارك بسلطانه أو بيده أو بفكره في إقامة هذا الصرح المبارك، من لدن معاوية والوليد إلى يوم الناس هذا، وعلى كل من سيعمل فيه في الأيام القادمات، وجزاهم الله جميعاً خير الجزاء.