(اِعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي ثُبُوتِ مُعْجِزَةِ اِنْشِقَاقِ الْقَمَرِ. قَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُمْ أَمْثَالُهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ إِلَى أَنْ اِنْتَهَى إِلَيْنَا، وَيُؤَيَّدُ ذَلِكَ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَلَمْ يَبْقَ لِاسْتِبْعَادِ مَنْ اِسْتَبْعَدَ وُقُوعَهُ عُذْرٌ، وَقَدْ يَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ قَبْلَ طُلُوعِهِ عَلَى آخَرِينَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ زَمَنَ الِانْشِقَاقِ لَمْ يَطُلْ وَلَمْ تَتَوَفَّرْ الدَّوَاعِي عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ إِلَى آفَاقِ مَكَّةَ يَسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ، فَجَاءَتْ السُّفَّارُ وَأَخْبَرُوا بِأَنَّهُمْ عَايَنُوا ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ فِي اللَّيْلِ غَالِبًا يَكُونُونَ سَائِرِينَ فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ: أَنْكَرَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُوَافِقِينَ لِمُخَالِفِي الْمِلَّةِ اِنْشِقَاقَ الْقَمَرِ، وَلَا إِنْكَارَ لِلْعَقْلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَمَرَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَشَاءُ، كَمَا يُكَوِّرُهُ يَوْمَ الْبَعْثِ وَيُفْنِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: لَوْ وَقَعَ لَجَاءَ مُتَوَاتِرًا وَاشْتَرَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَلَمَا اِخْتَصَّ بِهَا أَهْلُ مَكَّةَ، فَجَوَابُهُ: أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَيْلًا وَأَكْثَرُ النَّاسِ نِيَامٌ، وَالْأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ، وَقَلَّ مَنْ يُرَاصِدُ السَّمَاءَ إِلَّا النَّادِرَ، وَقَدْ يَقَعُ بِالْمُشَاهَدَةِ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَنْكَشِفَ الْقَمَرُ وَتَبْدُوَ الْكَوَاكِبُ الْعِظَامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ وَلَا يُشَاهِدُهَا إِلَّا الْآحَادُ، فَكَذَلِكَ الِانْشِقَاقُ كَانَ آيَةً وَقَعَتْ فِي اللَّيْلِ لِقَوْمٍ سَأَلُوا وَاقْتَرَحُوا فَلَمْ يَتَأَهَّبْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute