للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول: الأدلة على صدق الرسول (صلى الله عليه وسلم) (*)

النبي (صلى الله عليه وسلم) هو الذي نزل عليه القرآن، وهو الذي كان يقول إنه من عند الله تعالى، وإنه المعجزة الخالدة والآية الباقية، فإن كان النبي (صلى الله عليه وسلم) صادقا فما يقوله حق، لذا أردت في هذا المبحث أن أذكر بعض أدلة صدق النبي (صلى الله عليه وسلم)، التي منها نستفيد صدق القرآن وأنه من عند الله حقا.

وكتوطئة لهذا المبحث، فإن إرسال الرسل واجب عقلي؛ لأن الفِطر والعقول دلتنا على وجود الخالق سبحانه وأنه المستحق للعبادة، ولكن العبادة لا يمكن الاهتداء لمعرفة صفتها وتفصيلها إلا عن طريق واسطة عن الله عز وجل، يخبرنا بصفتها التي يحبها الله سبحانه، ويخبرنا عن ما يحل وما يحرم وما ينفعنا وما يضرنا (١)، لذلك قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٥]، وقال سبحانه: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:١٦٥]، وقال جل جلاله: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [الإسراء:١٣٤]،

وقال جل في علاه: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص:٤٧].

إذن فإرسال الرسل واجب عقلي، وهو أيضا واقع عملي؛ فإن التاريخ لا يزال يخبرنا عن الكثير من الرسل والأنبياء وحالهم مع قومهم، وكيف كانت لهم الغلبة والنصرة دائما؛ لذلك لما أنكرت قريش على النبي (صلى الله عليه وسلم) رسالته، قال له الله تعالى آمرا له بالاستدلال بالتاريخ والواقع: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ... } [الأحقاف:٩].

فإذا كان العقل والواقع يدلان على أهمية إرسال الرسل (٢)؛ لم يجز إذن إنكار بعثة الرسل، بل الواجب هو طلب الدليل من مدعي الرسالة والنبوة على رسالته، من باب قوله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:١١١].

وهذا ما فعله الكثير من الأمم السابقة إذا أرسل إليهم أحد، أو ادعى النبوة قالوا: { ... لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ... } [البقرة:١١٨]، {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ .. } [الأنعام:٣٧]، {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا .. } [الأنعام:١٠٩]، {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ ... } [يونس:٢٠].

وفي المطالب الآتية نذكر بعض الآيات والدلائل على صدق رسالة النبي (صلى الله عليه وسلم):

[المطلب الأول: بشارة الكتب السابقة به:]

أعني شهادة التوراة والإنجيل والكتب السابقة بصدق الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومعجزته (القرآن)، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء:١٩٦].

يقول القرطبي: (أي وإن ذكر نزوله لفي كتب الأولين يعني الأنبياء، وقيل: أي إن ذكر محمد عليه السلام في كتب الأولين ; كما قال تعالى: {يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} [الأعراف: ١٥٧] والزبر الكتب، الواحد زبور، كرسول ورسل) (٣).

وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف:٦].


(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا المبحث - بكامله - ليس في المطبوع

<<  <   >  >>