للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، لَآتِيَنَّهُ حَتَّى أَطَأَ عَلَى عُنُقِهِ. قَالَ: فَقَال (َ: «لَوْ فَعَلَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا، وَلَوْ أَنَّ الْيَهُودَ تَمَنَّوْا الْمَوْتَ لَمَاتُوا وَرَأَوْا مَقَاعِدَهُمْ فِي النَّارِ، وَلَوْ خَرَجَ الَّذِينَ يُبَاهِلُونَ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) لَرَجَعُوا لَا يَجِدُونَ مَالًا وَلَا أَهْلًا» (١) .

فكيف لرجل كاذب أن يقحم نفسه في هذه المزلة، ويرضى أن يكون ملعونا بلعنة الله، مطرودا من رحمتة مستوجبا الهلاك ومستعجلا انتقام الله منه، إلا إن كان صادقا، عالما من صدق نفسه، واثقا بمن أرسله.

[المطلب التاسع: حمايته من كل ما يكاد به، ونجاته من كل محاولات الاغتيال:]

وهذا الدليل استدل به اليهود على صدق النبي (صلى الله عليه وسلم) :

ففي حديث عائشة عندما سحر النبي (صلى الله عليه وسلم) لبيد بن الأعصم (٢) ، (أَخْرَجَ اِبْن سَعْد بِسَنَدٍ لَهُ إِلَى عُمَر بْن الْحَكَم مُرْسَل قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّه (مِنْ الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْحَجَّة، وَدَخَلَ الْمُحَرَّم مِنْ سَنَة سَبْع جَاءَتْ رُؤَسَاء الْيَهُود إِلَى لَبِيد بْن الْأَعْصَم - وَكَانَ حَلِيفًا فِي بَنِي زُرَيْق وَكَانَ سَاحِرًا - فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الْأَعْصَم , أَنْتَ أَسْحَرنَا، وَقَدْ سَحَرْنَا مُحَمَّدًا فَلَمْ نَصْنَع شَيْئًا، وَنَحْنُ نَجْعَل لَك جُعْلًا عَلَى أَنْ تَسْحَرهُ لَنَا سِحْرًا يَنْكَؤُهُ، وفي رواية اِبْن سَعْد: فَقَالَتْ أُخْت لَبِيد بْن الْأَعْصَم: إِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَسَيُخْبَرُ، وَإِلَّا فَسَيُذْهِلُهُ هَذَا السِّحْر حَتَّى يَذْهَب عَقْله) (٣) .

وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ. قَالَ: «مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَيَّ» (٤) ، ورواه أبو داود من حديث جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ: أَنَّ يَهُودِيَّةً مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ سَمَّتْ شَاةً مَصْلِيَّةً (٥) ، ثُمَّ أَهْدَتْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) الذِّرَاعَ فَأَكَلَ مِنْهَا، وَأَكَلَ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ» . وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) إِلَى الْيَهُودِيَّةِ فَدَعَاهَا، فَقَالَ لَهَا: «أَسَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ؟» قَالَتْ الْيَهُودِيَّةُ: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ: «أَخْبَرَتْنِي هَذِهِ فِي يَدِي» . لِلذِّرَاعِ، قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «فَمَا أَرَدْتِ إِلَى ذَلِكَ؟» . قَالَتْ: قُلْتُ: إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَنْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ. فَعَفَا عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) وَلَمْ يُعَاقِبْهَا) (٦) .

وقد بدأت هذه المحاولات من بداية البعثة:


(١) أخرجه الإمام أحمد (٢٢٢٦) بإسناد على شرط البخاري، وأخرج البخاري الجزء الأول من الحديث إلى قوله (لأخذته الملائكة عيانا) (كتاب التفسير، باب قوله (كلا لئن لم ينته لنسفعا..) ،رقم:٤٩٥٨) .
(٢) متفق عليه (البخاري: كتاب الطب، باب السحر، رقم:٥٤٣٣، ومسلم: كتاب السلام، باب السحر، رقم: ٢١٨٩) ، وسيأتي نصه صفحة.
(٣) فتح الباري (١٠/٢٣٧) .
(٤) متفق عليه (البخاري: كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب قبول الهدية من المشركين، رقم:٢٦١٧، ومسلم: كتاب السلام، باب السم، رقم:٢١٩٠) .
(٥) مصلية: مشوية. (لسان العرب (١٤/٤٦٧)
(٦) سنن أبي داود (كتاب الديات، باب فيمن سقى رجلا سما أو أطعمه فمات أيقاد به، رقم:٤٥١٠) وهو صحيح لغيره كما قال الألباني في مشكاة المصابيح رقم: ٥٨٧٤.

<<  <   >  >>