للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي السياسة برزت الديمقراطية والدكتاتورية، فالأولى (١) فتحت الباب على مصراعيه وأطلقت الحريات بلا عنان، وجعلت الحكم للشعب طارحة أي حكم شرعي غير مبالية فيه، فحكم الناس يقدم على حكم رب الناس، والأخرى (٢) جعلت الحكم محصور بشخص واحد ولا يحق لأحد التدخل مهما بلغ من الثقافة والعلم، وغيرها من الأفكار والمذاهب التي لا يسع المجال لذكرها.

وهذه القوانين مع كثرة الواضعين لها والمنقحين والمراجعين والمصححين إلا أنه لا زالت تغير يوما بعد يوم، فمن وضعها غير راض عنها فضلا عن غيره.

وكل هذه الأفكار والمذاهب والتشريعات والقوانين على اختلاف مجالاتها كان منتهى قدراتها مجتمعة أن تخدم بدن الإنسان وجسمه، ولم تستطع أن تقدم للروح شيئا، فكان غاية ما عندها أن تقول للناس: ليتخذ كل منكم الدين الذي يريد، فإننا لا نعرف كيف تسعد الروح.

فكل هذه العقول لم تستطع أن تأتي بشريعة خالدة شاملة لجميع نواحي الحياة كما أتى به النبي (صلى الله عليه وسلم) في شريعته، وهذا من أدلة صدقة، فالبشر لا يقدرون على هذا، ولا حتى النبي (صلى الله عليه وسلم) يقدر على ذلك، إنما هذه الشريعة تنزيل من عزيز حميد، شريعة لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها، يقول برناردشو (٣) : (لو كان محمد - نبي الإسلام - حيًّا يرزق لاستطاع أن يحل مشاكل العالم وهو جالس على حصيرته يحتسي القهوة) (٤) .

[المطلب الرابع عشر: الإعجاز العلمي:]

وقد أُلَّفت في هذا مؤلفات كثيرة، تبين مدى الإعجازات العلمية الدقيقة التي تكلم عنها النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل أربعة عشر قرنا، ولم نعرف معناها إلا الآن في هذا القرن، وقد ألف الدكتور مختار سالم كتابا بعنوان (الإبداعات الطبية لرسول الإنسانية) (٥) ، ذكر فيها أنواعاً كثيرة من العلاجات النبوية لأمراض بعضها لم يعرف له دواء إلى الآن، وكيف أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تنبأ بخروج طاعون العصر (الإيدز) ؛ كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ؛ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا ... » (٦) .

وفي الصحيحين (٧) عن أبي هريرة - رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن في التراب» فقد ثبت طبياً أن لسان الكلب يحمل فطريات ضارة جداً بالإنسان، وهذه الفطريات لا تزول ولا تقتل إلا بالتراب مع الماء (٨) .

وفي صحيح البخاري (٩) أيضاً أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» .

وأثبتت التجارب الطبية أن الذبابة تحمل في أحد جناحيها جراثيم مضرة، وفي الآخر فطريات تقتل هذه الجراثيم (١٠) .

وغير ذلك من أنواع الإعجاز وألوانه، الذي يدل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يقول هذا من عند نفسه بل من الوحي.

[المطلب الخامس عشر: الوصف الدقيق للغيب:]

إن وصف أمور الغيب بدقة لا يكون إلا ممن رآه أو سمع من رآه، ولذلك يمكن القول بأن وصف النبي (صلى الله عليه وسلم) لربه وللملائكة وللجنة والنار وصف عجيب، لا يمكن أن يأتي به بشر.


(١) انظر: السابق (٢/١٠٦٦)
(٢) انظر: السابق (٢/٩٢٩)
(٣) برنارد شو: المفكر والأديب والفيلسوف الإنكليزي المشهور: ولد برنارد شو في دبلن عاصمة ايرلندا في ٢٦ يوليو ١٨٥٦ وكان أبواه من البروتستانت ذوي الأصل الإنجليزي. تلقى شو مبادئ التعليم الأولى على يد قريب له كان قاسياً بروتستانتياً ثم دخل إحدى المدارس الدينية في سن العاشرة، لكنه تركها إلى مدرسة أخرى ثم أخرى حتى ترك الدراسة المنتظمة نهائياً ولكنه كان نهماً في القراءة بشكل غير عادي وكثيراً ما كان يتحف رفاقه التلاميذ بقصص من الإلياذة والأوديسة التي كان يحفظها عن ظهر قلب. في عام ١٨٧٢ لحق شو بلندن فعمل في شركة اديسون للتلفونات لفترة طويلة، وكان في هذه الفترة يرسل إبداعه الأدبي لعدد من الصحف لكن لم ينشر له إلا القليل مما كان يرسله، وحين بلغ الثالثة والعشرين من عمره قرر الاشتغال بكتابة الرواية ووضع لنفسه برنامجاً يومياً التزم به بشدة فألف خمس روايات في أربع سنوات، كما كان يختلط بالأوساط الموسيقية والفنية في لندن والذهاب إلى جمعيات المناظرة والخطابة وحضور الاجتماعات السياسية، في عام ١٨٨٤ انضم شو إلى الجمعية الفابية السياسية التي تدعو إلى تحقيق الاشتراكية بالتدريج وظل شو اثنتي عشرة سنة يتحدث في الجمعية الفابية بمعدل ثلاث مرات أسبوعيا حتى اصبح من المع من اعتلى منابر لندن واصبح له جمهور من المستمعين لا يفوت له محاضرة أو حديثاً وكانت الهيئات والجمعيات تتسابق إلى دعوته، وخلال الفترة من ١٨٨٥ و ١٨٩٨ كان شو يكتب بالأجر لعدة صحف يومية ومجلات نقدية في الأدب والموسيقى والمسرح، وألف عدة مسرحيات مثل (بيوت الأرامل) و (الغائب) و (مهنة مسزوارين) و (السلاح والإنسان) وبعدها بدأ الجمهور يعجب بشو ككاتب مسرحي من الطراز الأول واشتهر عالميا. وقد أُخرج عدد كبير من هذه المسرحيات أثناء حياة شو على مسارح إنجلترا وأمريكا وألمانيا والنمسا وروسيا وهنجاريا، وكسب شو شهرة في أوروبا منذ ما قبل الحرب العظمى الأولى ككاتب من الرواد، بل لقد قالت صحف برلين عنه: إنه (ملك من ملوك المسرح الألماني) وبحلول عام ١٩١٥ كانت شهرته قد بلغت الآفاق ومسرحياته يتم تمثيلها في شتى أنحاء المعمورة من إنجلترا إلى اليابان، وألف كتاب (دليل المرأة الذكية عن الرأسمالية والاشتراكية) وأعطي جائزة نوبل عام ١٩٢٥ بسبب إنتاجه الأدبي الضخم،
توفي شو في ٢ نوفمبر عام ١٩٥٢ بعد أن تجاوز الرابعة والتسعين بثلاثة شهور واحرق جسده عملاً بوصيته وخلط رماده برماد زوجته ودفن في حديقة بيتهما الريفي ويحتفظ المتحف البريطاني بعدد كبير من مخطوطات شو ورسائله بوصفها من الآثار القومية. (جريدة البيان الإماراتية، العدد ٩١ بتاريخ ٧أكتوبر ٢٠٠١، بقلم أمنية طلعت)
(٤) القرآن والسنة والعلوم الحديثة، لمحمد أحمد مدني، صفحة: ٧١، مطابع خالد للأوفست، الرياض.
(٥) طبعته مؤسسة المعارف في بيروت، الطبعة الأولي،١٩٩٥.
(٦) أخرجه ابن ماجه (كتاب الفتن، باب العقوبات، رقم:٤٠١٩) وهو حديث حسن (انظر: صحيح سنن ابن ماجه للألباني (٢/٣٧٠) . رقم: ٣٢٤٦، والسلسة الصحيحة (١/٢١٦) رقم: ١٠٦.
(٧) متفق عليه (البخاري: كتاب الوضوء، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان رقم: ١٦٧، ومسلم: كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب، رقم: ٤٢١) .
(٨) انظر: القرآن والسنة في العلوم الحديثة، ص: ٦٩.
(٩) أخرجه (البخاري: كتاب الطب، باب إذا ارقع الذباب في الإناء، رقم: ٥٣٣٦.
(١٠) انظر: معجزات في الطب للنبي العربي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، تأليف الطبيب محمد سعيد السيوطي، ص ٦٤ مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثانية ١٩٨٦.

<<  <   >  >>