للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوصف النبي (صلى الله عليه وسلم) لله سبحانه وصف خالٍ من التنقص، ملئ بكل كمال واجب لله سبحانه (١) ؛ فيصفه بالقدرة المطلقة والحكمة الباهرة والرحمة الواسعة والحياة الكاملة، وغير ذلك من الأسماء والصفات، فسماه بأحسن الأسماء، ووصفه بأجمل الأوصاف: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف:١٨٠] ، و (الحسنى) أفعل تفضيل مؤنث من الحسن، يعني أن لله أحسن الأسماء، {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل:٦٠]-والمثل يعني الصفة كقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ ... } [محمد:١٥]-، يعني أن له سبحانه أعلى الأوصاف.

وهذا الوصف لا يمكن لمخلوق أن يتصف به {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل:٧٤] {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة:٢٢] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤] ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١ٍ] {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥] ؛ فهو سبحانه لا مثل له ولاند له ولا كفو له ولا سمي له.

ولكن انظر إلى البشر إذا أرادوا أن يصفوا الله ماذا يقولون (٢) ، فبعضهم يجعل الإله حيوانا كمن يعبد البقر أو الفأر، وبعضهم يجعله جمادا كمن يعبد الأصنام والنار، وبعضهم يعدد الآلهة كالمجوس الذين جعلوا إلها للظلمة وإلها للنور، والإغريق الذين جعلوا إلها للحب وآخر للرزق وثالثا للكواكب، وفي ضمن هذا تنقص واضح، كأنهم يقولون إن إلههم لا يستطيع أن يحوي جميع هذه القدرات، وبعضهم يعبد ما هو أقبح من ذلك كالفروج، بل بعضهم شطح عقله حتى عبد عدو الإنسانية الأول إبليس، ولكن لنرتفع عن هذه الديانات ونذهب إلى الديانات السماوية، ونرى كيف وصف الرب سبحانه عندهم.

أما اليهود فهم من أجرأ الناس على مدار التاريخ على الجبار سبحانه، فقد قالوا: {إن الله فقير ونحن أغنياء} [آل عمران:١٨١] وقالوا: {يد الله مغلولة} [المائدة:٦٤] ، يعني

بخيل (٣) .


(١) انظر: كتاب (الله أهل الثناء والمجد) ، د. ناصر الزهراني، مؤسسة الجريسي، الرياض، الطبعة الأولي،٢٠٠٠، فهو جيد في هذا الباب.
(٢) انظر: هداية الحيارى لابن القيم، فصل: ثمرة إنكار النبوات جحد الخالق والجهل بأسمائه وصفاته، ص:٣٥٤،
ولقد ألف عباس محمود العقاد كتابا حافلا بعنوان (الله) ،تكلم فيه عن وصف الله تعالى في الأديان والأفكار والشعوب المحرومة من نور الوحي، فذكر وصف الله تعالى عند الحضارات السابقة في مصر والهند والصين وفارس وبابل واليونان، وفي الأديان السماوية كاليهود والنصارى، وعند الفلاسفة، وغير ذلك وهو كتاب مفيد. طبعته دار نهضة مصر، في القاهرة، الطبعة الثانية، ١٩٩٧ وبالمقارنة بين هذه الأديان وبين وصف النبي صلى الله عليه وسلم لربه، يتضح الفرق بين الوصفين، ويتبين لك أن هذا الوصف لا يتأتى إلا لمن كان مؤيدا بالوحي.
(٣) أنظر: فتح القدير للشوكاني (٢/٦٠) .

<<  <   >  >>