للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا اعترف عتبة على موضعه من اللسان، وموضعه من الفصاحة والبلاغة، بأنه ما سمع مثل القرآن قط، كان في هذا القول مقرا بإعجاز القرآن له، ولضربائه من المتحققين بالفصاحة والقدرة على التكلم بجميع أجناس القول وأنواعه.

- ومنها الأسلوب المخالف لجميع أساليب العرب (١) .

- ومنها الجزالة التي لا تصح من مخلوق بحال، وتأمل ذلك في سورة ق والقرآن المجيد إلى آخرها، وقوله سبحانه: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} [الزمر: ٤٢] إلى آخر السورة، وكذلك قوله سبحانه: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون (إلى آخر السورة.

فمن علم أن الله سبحانه وتعالى هو الحق: علم أن مثل هذه الجزالة لا تصح في خطاب غيره، ولا يصح من أعظم ملوك الدنيا أن يقول: {لمن الملك اليوم} [غافر: ١٦] ولا أن يقول: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} [الرعد: ١٣] .

قال ابن الحصار: وهذه الثلاثة من النظم والأسلوب والجزالة لازمة كل سورة، بل هي لازمة كل آية، وبمجموع هذه الثلاثة يتميز مسموع كل آية وكل سورة عن سائر كلام البشر، وبها وقع التحدي والتعجيز، ومع هذا فكل سورة تنفرد بهذه الثلاثة أن ينضاف إليها أمر آخر من الوجوه العشرة، فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات قصار، وهي أقصر سورة في القرآن وقد تضمنت الإخبار عن مغيبين؛ أحدهما الإخبار عن الكوثر وعِظَمِهِ وسعته وكثرة أوانيه، وذلك يدل على أن المصدقين به أكثر من أتباع سائر الرسل، والثاني الإخبار عن الوليد بن المغيرة، وقد كان أول نزول الآية ذا مال وولد على ما يقتضيه قول الحق (ذرني ومن


(١) يعني أنه ليس بشعر ولا نثر ولا سجع.

<<  <   >  >>