للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ (١) .

(وتأمل آية الأنفال المذكورة، تجد فيها ظاهرة عجيبة؛ فإنها لم تنزل إلا بعد إطلاق أسارى بدر وقبول الفداء منهم، وقد بُدئت بالتخطئة والاستنكار لهذه الفعلة، ثم لم تلبث أن ختمت بإقرارها وتطيب النفوس بها، بل صارت هذه السابقة التي وقع التأنيب عليها هي القاعدة لما جاء بعدها (٢) . فهل الحال النفسية التي يصدر عنها أول الكلام - لو كان عن النفس مصدره - يمكن أن يصدر عنها آخره , ولما تمض بينهما فترة تفصل بين زمجرة الغضب والندم وبين ابتسامة الرضا والاستحسان؟ كلا، وإن هذين الخاطرين لو فرض صدورهما عن النفس متعاقبين , لكان الثاني منهما إضراباً عن الأول ماحياً له، ولرجع آخر الفكر وفقاً لما جرى به العمل. فأي داعٍ دعا إلى تصوير ذلك الخاطر الممحو وتسجيله، على ما فيه من تقريع علني بغير حق، وتنغيص لهذه الطُعمة (٣) التي يراد جعلها حلالاً طيباً؟ إن الذي يفهمه علماء النفس من قراءة هذا النص أن هاهنا ألبتة شخصيتين منفصلتين، وأن هذا صوت سيد يقول لعبده: لقد أسأتَ ولكني عفوت عنك وأذنت لك) (٤) .

ومثل هذا قوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّن


(١) أخرجه مسلم (كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة فداء الإسرى، رقم ١٧٦٣) .
(٢) يعني أنه يجوز لولي الأمر بعد هذه الحادثة في الأسرى أن يفدي بهم أو يمن بالمجان أو يقتلهم.
(٣) الطعمة: المكسب
(٤) النبأ العظيم، ص:٢٧.

<<  <   >  >>