للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذا الباب حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) , إِذْ جَاءَ هُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ , ثُمَّ أَدْبَرَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : «يَا أَخَا الْأَنْصَارِ كَيْفَ أَخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟» ، فَقَالَ: صَالِحٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : «مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ؟» فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ , مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ وَلَا خِفَافٌ (١) وَلَا قَلَانِسُ (٢) وَلَا قُمُصٌ , نَمْشِي فِي تِلْكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ , فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ" (٣) ، وهذا الجواب وجيه وقوي.

٣-أن هارون كان رجلا مُعْلِناً بالفسق , فشبهت به.

٤-هارون المقصود به هنا ليس هو هارون أخي موسى , بل هو أخ لمريم حقيقة فنسبت إليه، فقد عرض هذا الإشكال على النبي (صلى الله عليه وسلم) وأجاب عنه بهذا الجواب، فقد أخرج الإمام مسلم عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ (يَا أُخْتَ هَارُونَ (وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا. فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ» (٤) .

وهذا نص قاطع صحيح صريح في هذه القضية فلا محيد عنه (٥) ،


(١) الخفاف: جمع خف وهو مايلبس على الرجل من الجلد.
(٢) القلانس: جمع قلنسوة، وهي من ملابس الرأس. لسان العرب (٦/١٨١) .
(٣) أخرجه مسلم (كتاب الجنائز، باب في عيادة المريض، رقم:٩٢٥) .
(٤) أخرجه مسلم (كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم , وبيان ما يستحب من الأسماء، رقم:٢١٣٥)
(٥) قال الدكتور عبد الرحمن بدوي بعد أن ذكر هذا الجواب: هذا الافتراض وإن كان غير مستحيل في ذاته , إلا أنه يفتقر إلى أي مستند آخر لإثباته. انظر: دفاع عن القرآن ضد منتقديه، ص:١٧٠) ، وذكر أن هذا الاحتمال لا دليل عليه وإنما أوجدته احتياجات القضية، (دفاع عن القرآن ضد منتقديه، ص:١٧١) ، وقال: هذه المشكلة لم تثر في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) . دفاع عن القرآن ضد منتقديه، ص:١٨٠) ،وكنت أظنه في البداية لم يطلع على هذا الحديث , ولكنه قال في الخاتمة (ص:١٨٩) : وما ذكره مسلم والترمذي في موضوع الحوار الذي دار بين المغيرة الذي أرسله النبي إلى نجران وأهل تلك البلاد، هو في رأينا مختلق لتأييد أن هذا الاعتراض أجاب عنه النبي بنفسه. وهذا الكلام لاشك في بطلانه؛ فإنه؛ لم يضعف هذا الحديث أحد من أهل العلم , بل هو في أصح الكتب بعد كتاب الله وهو صحيح البخاري، وما المانع أن يعرض هذا الإشكال على النبي، لاسيما أن أهل نجران نصارى ويعرفون تاريخ عيسى ومريم.

<<  <   >  >>