للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمثلة، وذلك كرجل أصابته قرحة في قدمه، فجاء الطبيب الرفيق، فأخذ يُعالج هذه القرحة، ويُخرج ما فيها، ثم إذا به يضع الدواء الذي يُنبت اللحم، ثم يتعاهدها، ثم يضع عليها المراهم حتى ينشفها، ثم يضع عليها خرقةً، فلا يزال يُتابع هذا وهذا حتى نشفت رطوبتها، وأما المداهن فهو الذي أتى إلى صاحب هذه القرحة وقال: لا بأس عليك، إنما هي شيء يسير، واسترها عن عيون الناس بخرقة وتلهَّى عنها، فلا يزال يزداد شرُّها وتكثر عفونتُها حتى يهلك. (١)

وقال ابن حِبَّان البُستي (ت: ٣٥٤ هـ) - رحمه الله: -

والمدَاراة التي تكون صدقة للمُداري هو تخلُّق الإنسان بالأشياء المستحسنة مع من يدفع إلى عشرته، ما لم يشُبْها معصية الله، والمداهنة هي استعمال المرء الخصال التي تستحسن منه في العشرة، وقد يشوبه ما يكره الله تعالى. (٢)

ويجلي ابن بطال (ت: ٤٤٩ هـ) الفرق بين المداراة والمداهنة- حكمًا- فيقول:

المدَاراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة، والفرق أنَّ المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسَّرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمدَاراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك. (٣)

والمداراة شُرعت لسلامة الدين كما قال أبو بكر الطرطوشي (ت: ٥٢٠ هـ) - رحمه الله: -

المدَاراة: أن تداري الناس على وجه يسلم لك دينك. (٤)

ولذا يقول عبد الله بن مسعود (ت: ٣٢ هـ) - رضي الله عنه-: خالط الناس وزايلهم، ودينك لا تُكْلِمنَّه. (٥) بمعنى لا تقربنَّه.

قال ابن مفلح الحنبلي (ت: ٨٨٤ هـ) في " الآداب الشرعية" - رحمه الله: -

وقيل لابن عقيل في فنونه:

أسمع وصية الله عز وجل: (ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)


(١) - الروح؛ لابن القيم: (ص: ٢٣١).
(٢) - الآداب الشرعية؛ لابن مفلح: (٣/ ٤٦٩)، الآداب الشرعية، المؤلف: عبد الله محمد بن مفلح المقدسي; المحقق: شعيب الأرناؤوط - عمر القيام، الناشر: مؤسسة الرسالة، سنة النشر: ١٤١٩ - ١٩٩٩ م، ط: ٣.
(٣) يُنظر: فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني: (١٠/ ٥٢٨).
(٤) -يُنظر: سراج الملوك، لأبي بكر الطرطوشي: (١١/ ٣٦).
(٥) - العزلة، للخطابي: (ص: ٩٩).

<<  <   >  >>