هذا:"وليت شعري كيف يمكن القول بأنها ليست ضرورية دينية، مع العلم بأن كثيرًا من المسائل التي أجمع الفقهاء عليها، وعلى أنها معلومة من الدين بالضرورة، وأن إنكارها يُوجب الرّدّة، كعدد ركعات الفرائض متوقفة عليها، وكيف يَتوقف الضروري على ما ليس ضروريًّا، وزعم إمكان فهم هذه المسائل من الكتاب وحده باطلٌ بالضرورة، ومحاولة هذا الفهم محاولةٌ لتحقيق المُحال، ولقد كان الأئمة السابقون أقدر منا على ذلك، واعترفوا بالعجز عنه -يعني: محاولة إثبات الأدلة على الأحكام الشرعية من القرآن فقط، وإذا كانت هذه المسائل الضرورية -الصلاة مثلًا، وكون الظهر أربعًا، وكون العصر أربعًا أيضًا- كل ذلك يتوقف على السنة، وهي مسائل ضرورية -يعني: معلومة من الدين بالضرورة وإنكارها كفر- وإذا كانت هذه المسائل الضرورية متوقفة على حجية السنة، فكيف يتأتى من مؤمن أن يُنازع فيها، مع أن النزاع فيها يستلزم النزاع في هذه المسائل -يعني: النزاع في حجية السنة يستلزم النزاع في كون الظهر أربعًا، في كون أن الزكاة ربع العشر، في كون المواشي عليها زكاة ... إلى آخره، وهذا يستلزم الارتداد؛ فإن قيل: إن هذه الأحكام دليلها الإجماع فهي ليست متوقفة على حجية السنة! قلت: هذا عبثٌ من القول، فإن الإجماع لا بد له من مستند، وليس هذا المستند في هذه المسائل الكتاب -القرآن فقط- إذ لا يمكن فهمها منه، وليس القياس، ولو ذهبنا إلى أنه قد يكون مستندًا للإجماع فيما يكون له أصلٌ معقول المعنى؛ لأن كثيرًا من هذه المسائل -أي: مسائل العبادة- لا مجال للعقول فيها، وليس لها أصلٌ تُقاس عليه؛ فتعيّن أن يكون هذا المستند السنة، بل قد أجمعوا على أن المستند في هذه المسائل هو السنة لا غير، وهذا يستلزم إجماعهم على حجيتها وضروريتها". انتهى كلام الشيخ رحمه الله -تبارك وتعالى-.