{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ} أنزل الله الكتاب لكي تبين أنتَ يا رسول الله لهم الذي اختلفوا فيه، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فمهمة البيان موكولةٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
إذن، لو أننا لم نفهم الفهمَ الذي نشير إليه: أن القرآن وضع القواعد العامة وجاءت السنة وذكرت التفصيلات، واجتهاد العلماء يُنزل كل تفصيل تحت قاعدته العامة من خلال السنة المطهرة، لتصورنا أن القرآن الكريم يُناقض بعضُه بعضًا، ليست المشكلة مع السنة فحسب، بل هي أيضًا ستصبح مع القرآن الكريم، كيف ذلك؟ الآيات التي بينت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي سيبين للناس ما نزل إليهم، كيف تتعامل معها في ضوء إصرارك على أن القرآن الكريم فقط هو الذي يبين كل شيء؟
كل الرافضين لحجية السنة لا بد أن يلتزموا بهذه النتيجة، وهي أن القرآن الكريم وضع القواعد العامة، وهذا هو المراد بقوله تعالى:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} إلى آخر ما ذكرناه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} بل إن الله -تبارك وتعالى- بين أن هذه مهمة الرسل جميعًا:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}(إبراهيم: ٤) كل رسول يبين لأمته ما نُزّل إليهم، ويوضح لهم مراد الله -عز وجل- من الأحكام التي افترضها على عباده، ولولا بيان الرسول لكل أمة من الأمم، لَمَا استقامت أمة أبدًا على منهج الله؛ يعني: هذا فهمٌ لا بد أن يقول به كل عاقل رشيد، الرسل جاءت لتبين لأممها مراد الله -عز وجل- من خلقه، وتبين لهم ما افترضه سبحانه عليهم؛ لكي يقوموا به وينفّذوه، والرسل يقدمون للأمم القدوةَ العملية والتطبيقَ الصحيح لما أراده الله -عز وجل- من الأمم:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}(آل عمران: ١٨٧) يعني: حتى الذين أوتوا الكتاب سيبينون للناس ما نزل إليهم، وإذا كتموه فقد تعرّضوا لعقاب الله -تبارك وتعالى-.