قال الله تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ووجدناه تعالى قد أوجب طاعة هذا الثاني -يقصد السنة- كما أوجب طاعة القسم الأول الذي هو القرآن، ولا فرق، فقال تعالى:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}(المائدة: ٩٢) فكانت الأخبار التي ذكرنا أحد الأصول الثلاثة التي ألزمنا طاعتها في الآية الجامعة لجميع الشرائع؛ أولها عن آخرها، وهي قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ}(النساء: ٥٩) فهذا أصلٌ وهو القرآن، ثم قال تعالى:{وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} فهذا ثان وهو الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال تعالى:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} فهذا ثالث وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحّ لنا بنصّ القرآن أن الأخبار -أي: الأحاديث- هي أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع، قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}(النساء: ٥٩).
والبرهان على أن المراد بهذا الرد إنما هو إلى القرآن وإلى الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأن الأمة مجمِعة على أن هذا الخطاب متوجّه إلينا، وإلى كل من يُخلق ويُركب روحه في جسده إلى يوم القيامة من الجِنة والناس، كتوجهه إلى من كان على عهده -صلى الله عليه وسلم- وكل من أتى بعده -عليه السلام- وقبلنا ولا فرقَ؛ يعني: الأمة كلها من أول النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد الصحابة إلى يوم القيامة مخاطبة بهذه الأصول، عند التنازع رد الأمر إلى القرآن الكريم وإلى السنة المطهرة وإلى أولي الأمر، وقد علمنا علم ضرورة أنه لا سبيلَ لنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني: كيف سنرد الأمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى؟ هذا معنى كلامه، لا بد أن يكون الأمر إلى سنته.
يقول: وحتى لو شغب مشغب بأن هذا الخطاب إنما هو متوجه إلى من يمكنه لقاء رسول -صلى الله عليه وسلم- لما أمكنه هذا الشغب في الله -عز وجل- إذ لا سبيل لأحد إلى مكالمته تعالى،