ومنهم من قال: أربعون؛ لأن عند هذه السن يُبعث الأنبياء، وهي تدل على اكتمال العقل والأشد عند الإنسان؛ فمتى بلغ الإنسان أربعين سنة فقد كمل نضجه العقلي والبدني:{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}(الأحقاف: ١٥).
ومنهم من قال: يشترط في العدد أن يكون سبعين، مثل من اختارهم موسى -عليه السلام- لميقات ربه:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا}(الأعراف: ١٥٥).
ومنهم من قال: ثلاثمائة، مثل أهل بدر ومن كانوا مع طالوت ... إلى غير ذلك.
اعتبارات متعددة في اشتراط العدد كلها تبحث عن العدد الذي يطمئن القلب والعقل معًا إلى صدقهم وإلى عدم وقوع الكذب منهم ولو اتفاقًا.
إنما هناك من ذهب إلى أن العدد لا يُحصَر برقم معين؛ وإنما متى تحقق الاطمئنان إلى أن هذا الجمع يستحيل أن يتواطأ على الكذب وألا يقع منهم ذلك ولو من قبيل المصادفة، وأن نتأكد من عدم وجود الداعي عندهم للكذب أو وجود أسباب له؛ فقد تحقق التواتر، وقد يتحقق بعشرة، وقد لا يتحقق بملايين يُجمِعون على الكذب، وهذا يحدث في زماننا كثيرًا؛ فقد ينقل الأعداء مثلًا أخبارًا تتعلق بالإسلام وأهله أو بمصادره وهي كاذبة، وينشرونها بين الناس ويتناقلونها بالملايين.
إذن، اشتراط العدد المحدد قد لا يكون ضرورة بقدر التركيز على اطمئناننا إلى صدقهم وعدالتهم وأنه يستحيل أن يقع منهم الكذب.
ولعل هذا ما ذهب إليه بعض محققي أهل الحديث -وفي الحقيقة عدد كبير منهم- يقول الكتاني في (النظم المتناثر في الحديث المتواتر) -رحمه الله تعالى- نقلًا عن كتاب (ظفر الأماني): والتحقيق الذي ذهب إليه جمع من المحدّثين: هو أنه لا