ثم انتقل الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- إلى دليل آخر على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة عملوا بخبر الواحد:
قال: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح؛ إذ أتاهم آتٍ فقال:"إن رسول الله قد أنزل عليه قرآن، وقد أُمر أن يستقبل القبلة؛ فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة"، وأهل قباء أهل سابقة من الأنصار وفِقْه وقد كانوا على قبلة فرض الله عليهم استقبالها، ولم يكن لهم أن يدعو فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة -هل يتركون ما افترضه الله عليه من وجوب الاتجاه إلى بيت المقدس إلا بحجة غيرت هذا الحكم، وهم لم يسمعوا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، هم في صلاتهم آتاهم آتٍ أخبرهم أنه قد أنزل الليلة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرآن يأمر بتحويل القبلة- ولم يَلقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يسمعوا ما أنزل الله عليه في تحويل القبلة؛ فيكونون مستقبلين بكتاب الله وسنة نبيه سماعًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا بخبر عامة.
يعني: هم كانوا متتبعين لقبلتهم أولًا؛ لأن لهم فيها ما أنزل الله -عز وجل- من كتاب الله وأيضًا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ظل سبعة عشر في المدينة بعد الهجرة يصلي بهم إلى بيت المقدس.
وانتقلوا عن هذا الحكم السابق في القرآن والسنة بخبر واحد؛ إذ كان عندهم من أهل الصدق عن فرض كان عليهم، فتركوه إلى ما أخبرهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قد أتى عليهم بتحويل القبلة، أو ولم يكونوا ليفعلوه -إن شاء الله- بخبرٍ إلا عن علم بأن الحجة تثبت بمثله إذا كان من أهل الصدق، ولا ليحدِثوا أيضًا مثل هذا العظيم -الذي هو تحويل القبلة- في دينهم إلا عن علم بأن لهم إحداثة، ولا