وهذه الأمور التي ذهب بها رجل واحد أو أخبر بها رجل واحد؛ إنما هي أحكام شرعية ليست في فضائل الأعمال، وليست في الوعظ والإرشاد؛ إنما هي أحكام شرعية مهمة جدًّا ... في قصة قباء مثلًا أو في قصة تحويل القبلة، فيها حكمٌ شرعي خطير وهام بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، وحدَث أن الصحابة أُخبروا مرتين في مسجدين مختلفين وبينهما زمنٌ وفسحة، ومع ذلك استجابا بدون أدنى تردد وهم في الصلاة ... لم ينتظروا حتى يفرغوا في الصلاة ويقولوا: ننظر الأمر أو شاكل ذلك، لم يحدث هذا، وأيضًا قصة الخمر، وجاءهم آتٍ وأخبرهم أن الخمر حُرّمت، منهم أبو طلحة جالس وبعض الصحابة معه، وبدون تردد:"اكسر يا أنس الجرار"؛ كسرها، ولم يتعللوا بأن المخبر واحد، أو لم يقولوا: ننتظر حتى نلقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو قريب منهم ... إلخ، هذا حكم شرعي أيضًا فيه تحريم الخمر.
والحديث الذي نحن معه في قصة العسيف يتعلق بإقامة الحدود ... أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا واحدًا إلى امرأة ليسألها: هل زنت مع هذا الشاب الذي زعم أنه زنى بها أم لم تزنِ؛ لأن الأمر لم يثبت بالبينة، أي: بالشهود؛ إنما ثبت بالإقرار، ولا نأخذ بقول الشاب في تلك المرأة؛ فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا واحدًا إليها؛ فاعترفت فرجمها.
وأيضًا، يستمر الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- مع أدلته: يروي عبد الله بن أبي سلمة عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه قالت: بينما نحن بمنًى علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- على جمل يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:((إن هذه أيام طعام وشراب -أي: أيام منى بعد الفراغ من وقفة عرفة يعني بدءًا من العاشر والحادي عشر من أيام ذي الحجة- فلا يصومن أحدٌ)) فاتبع الناس وهو على جمله يصرخ