الموت، وهو من أولي العزم من الرسل، ثم هذا خطأ لا يقع فيه إلا اليهودُ على حد ما قالوا، اليهود وغيرهم يخافون الموت، لكن اليهود أشد وأنكى، أما كما قلتُ فالله -عز وجل- قد سجَّل علينا:((يَكْرَهُ الموت وأنا أكره مَسَاءَتَه)) أما اليهود فشنيعتهم أشد؛ ولذلك سُجِّل عليهم في القرآن الكريم وفي سورة البقرة وفي سورة الجمعة هذا الخوف:{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}(البقرة: ٩٦) وبيّن أنهم لن يتمنوا الموت أبدًا لا في الماضي ولا في المستقبل، بل هم يحبون العَيْش على أيّ صورة من صور الحياة أيًّا كانت هذه الحياة:{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}(البقرة: ٩٦) حتى لو كانت حياة مُتعِبة مرهِقة فيها ذلة، فيها مهانة، هذا ليس من خُلُق أهل الإيمان ولا أهل التقوى، فهم أشنع وأشد في ذلك.
أما الخوف الذي ينتابنا نتيجة أننا نعلم أننا مقبلون على الله -عز وجل- وأننا سنحاسَب على ما قدمت أيدينا، ونتذكر ما قدمنا من تفريط ومن تقصير، فلا بد، بل هذا شيء طبيعي، لا يتناقض مع الإيمان أن نخاف من الموت، ولعل هذا الخوف يدفعنا إلى أن نُحسِن العمل؛ رجاءً في أن نتبوَّأ مكانة طيبة عند الله -عز وجل -.
أثاروا سؤالًا: كيف يضع الإمام مسلم هذا الحديث في كتاب الفضائل؟ وأيُّ فضيلة لسيدنا موسى في هذا؟!
هم حفظوا شيئًا وغابت عنهم أشياء، كل الذي تنبهوا له أو الذي وقعوا فيه تلك اللطمة، وكيف تقع، وفسروها كما يريدون، ونسُوا أنه فُتِحَ الباب أمامه ليعيش عشرات من السنين، ولكنه أقبل على ما عند الله -عز وجل- فهذه فضيلة، ثم سؤاله لربه أن يُدْفَن بالأرض المقدسة، هذه منقبة وفضيلة، كيف لا وهاتان منقبتان؟!