أولًا: في الحديث ابتلاء للمؤمن واختبار له بالإيمان بالغيب، والإيمان بالغيب أحد عناصر الإيمان الهامة جدًّا، التي ينبغي على المؤمن أن تكون جزءًا رئيسًا من عقيدته التي يَدِين بها الله تعالى، بل إن الله -عز وجل- في مطلع سورة البقرة حين تكلَّم عن الغيب، أو عن صفات المؤمنين بمعنى أدقّ، جعل من أول صفاتهم أنهم يؤمنون بالغيب:{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}(البقرة:١: ٢) ما أول صفات المتقين؟: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}(البقرة: ٣) ذُكِرَ الإيمان بالغيب قبل إقامة الصلاة التي هي عماد الدين، والتي تُفرّق بين المؤمن والكافر، والتي يُحاسَب عليها المؤمن أول ما يحاسب، حين يذهب إلى ربه -سبحانه وتعالى-.
إذن -على أهمية الصلاة- قُدِّمَ الإيمان بالغيب على ذلك، على الصلاة، وعلى:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(البقرة: ٣) وعلى: {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}(البقرة: ٤).
وفي الحقيقة الإيمان بالغيب مَحَكّ خطير جدًّا من محكّات الإيمان الحقيقية، بل ونحن نتكلم عن مدرسة العقل وملامحها وقلنا: إنها تُضَيّق جدًّا فكرة الغيب، بل إن اجتراءهم على الغيب، هو كان السبب لردّ هذا الحديث ولغيره من الأحاديث التي فيها ذكر للغيب الذي يعلمه الله -عز وجل-. تكلموا عن الشفاعة، وتكلموا عن عذاب القبر، وتكلموا عن الحَوْض، وتكلموا عن أمور كثيرة مما يتعلق بالدنيا أو بالآخرة أو بالغيبيات، مع أن الغيبيات -كما ذكرنا مرارًا- لا مجالَ للعقل فيها، بل هي اختبار للمؤمن، أنت تُصدِّق ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو لا تُصدِّق، من الأمور الغيبية التي لا تراها بعينك، والتي لا يَعتمِد الدليل عليها إلا ما ورد في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة فقط؟ أين أنت من ذلك؟
ففي الحديث اختبار؛ ولذلك كلمة عجيبة جدًّا من السِّنْديّ -رحمه الله تعالى- في حاشيته على البخاري عند تعليقه على هذا الحديث -حديث فقء موسى لعين