للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمهم: هؤلاء السحرة جاءوا مذهوِّيين منتفخِين واثقين من النصر يُقْسِمون بعزة فرعون -الذين يزعمون أنه إلههم- أنهم هم الغالبون، وكأنهم لثقتهم يقولون لموسى: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} (الأعراف: ١١٥) سواء ألقيت أولًا أو ألقينا نحن أولًا نحن سنغلبك سنغلبك.

كل هذه الصور المتكاملة من الموقف تُشْعِر بأن السحرة علماء كبار واثقون من الفوز، يتطلعون إلى القرب من إلههم المزعوم، ويتمنون أن ينالوا رضاه وعطاءه في وقت واحد، بدأت المسألة: ألقوا حبالهم وعصيهم، ثم ألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون. أول الناس الذين آمنوا هم السحرة، الذين وصلوا في علم السحر إلى قمته وتبوءوا الذروة منه، وكانوا يتمنون العطاء، فإذا بهم يُهدَّدون بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فلا يأبهون بذلك، يقولون: {لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} (الشعراء: ٥٠)، سبحان الله! لماذا؟

هذا هو لُبّ المسألة التي أتكلم فيها، وأنا استطردت إلى هذه المسألة لخطورتها وأهميتها العقدية، وأنا أثق في مجال الدعوة، وأتكلم عن هذا كثيرًا أن من أهم أسباب تنامي مكانة السحرة أننا ضعفاء أمامهم، وأننا لا نأخذ بالتحصينات الشرعية، وأننا نتصور أن لديهم القدرة على أن يفعلوا بنا ما يريدون، أعوذ بالله، فكأننا أعطيناهم بعض قدرات الله -عز وجل- ومن هنا كانت خطورة المسألة من الناحية العقدية.

لماذا كان السحرة أولَ المؤمنين؟

لأنهم أيقنوا أن الذي جاء به موسى ليس في قدرة بشر، العصا فعلًا انقلبت إلى حية، حقيقتها تحولت، والله -عز وجل- كان يؤهله إلى ذلك، في مطلع سورة طه:

<<  <   >  >>