للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَيتَصَوَّر نَفسه كالحاج الَّذِي يقْصد زِيَارَة بَيت الله تَعَالَى، وَيعلم يَقِينا أَنما أعْطى الزَّاد وَالرَّاحِلَة للعاقل ليقطع الْبَادِيَة، ويزور بَيت الله تَعَالَى، يَعْنِي إِنَّمَا أعْطى الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ زخارف الدُّنْيَا، ووسع أَجله، ليقطع بهما بادية صِفَات النَّفس الأمارة الَّتِي كَانَت حِجَابا بَين العَبْد وَبَين الله تَعَالَى، فَكَمَا لَا يُوصل إِلَى الْكَعْبَة إِلَّا بِقطع الْبَادِيَة، كَذَلِك لَا يُوصل إِلَى رِضَاء الله تَعَالَى وَرَحمته وجنته إِلَّا بِقطع بادية النَّفس الأمارة بالسوء، وَهِي شهواتها النفسانية.

وَأما إِذا صرف الزَّاد وَالرَّاحِلَة لأجل هَوَاهُ، وَهُوَ طرف شط بَغْدَاد، ويشتغل كل يَوْم بِمُقْتَضى نَفسه من شرب الشَّرَاب الْمُسكر، وغفل عَن حَال قوافل الْحَج، وَقد قصد أَولا لِلْحَجِّ، فوصلت الْقَافِلَة إِلَى الْكَعْبَة ووقفوا فِي عَرَفَات، وَحصل مُرَادهم بإتمام الْحَج، فانتبه الرجل عَن نوم الْغَفْلَة كَمَا قيل: " النَّاس نيام فَإِذا مَاتُوا انتبهوا " وتحسر وَنَدم على غفلته، وفوت الْحَج عَنهُ، واشتعل نَار الندامة فِي جَوْفه، فَلم ينفع حِينَئِذٍ النَّدَم والتحسر، كَذَلِك من لم يصرف مَا فِي يَده من نعيم الدُّنْيَا على وُجُوه الْخيرَات، وَلم يصرف جَمِيع عمره وأوقاته إِلَى طَاعَة الله تَعَالَى، فَلَمَّا حَضَره الْأَجَل نَدم على صرف عمره فِي الْغَفْلَة، فَلم ينفع حِينَئِذٍ النَّدَم.

وَأما حَال الْوَزير فِي الْخصْلَة الثَّالِثَة وَهِي الثَّبَات: فَيَنْبَغِي للوزير أَن يكون اعْتِقَاده فِي أَمر الدّين مُسْتَقِيمًا وثابتا، وكل عمل يعمله الْوَزير يَنْبَغِي لَهُ أَن يعمله لرضاء الله تَعَالَى، فَلَا يحول وَجهه عَن ذَلِك الْأَمر لأجل خاطر الْخلق، ورضاء الْخلق، وَلَا يخَاف عَن شَرّ جَمِيع الْخَلَائق، إِذا كَانَ ذَلِك الْأَمر لأجل الله تَعَالَى، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم} (الْمَائِدَة ٥٤) .

<<  <   >  >>