وَيَنْبَغِي للوزير إِذا تكلم الْملك أَن يصغي إِلَى كَلَام الْملك، وَلَا يكون عَاشِقًا لكَلَام نَفسه، فَإِذا تكلم الْملك كلمة غير مُوَافق للحق يسمع الْوَزير ذَلِك الْكَلَام، وَيكرهُ فِي قلبه، وَلَا يعْتَرض للْملك فِي ذَلِك الْحَال، فَإِذا وجد فرْصَة فِي الْخلْوَة يرد ذَلِك الْكَلَام فِي نفس الْملك.
فَفِي الْجُمْلَة لَا يستر الْوَزير الْحق، وَلَا يرضى الْمُنكر فِي الشَّرْع، بل يَقُول للْملك قولا لينًا على وَجه التأني والاعتراض، فِي غير حَالَة الْغَضَب، ليرْجع الْملك عَن ذَلِك الْكَلَام الْمُنكر.
وَحكي عَن أردشير أَنه قَالَ: حقيق على الْملك أَن يكون طَالبا أَرْبَعَة أَشْيَاء، فَإِذا وجدهَا يكون الْملك أحفظهم من سَائِر الْأَنْبِيَاء: الْوَزير الْأمين، وَالْكَاتِب الْعَالم، والحاجب المشفق، والنديم الناصح، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْوَزير أَمينا، دلّ على بَقَاء الْملك وسلامته عَن الزَّوَال، وَإِذا كَانَ الْكَاتِب عَالما، دلّ على عقل الْملك ورزانته، وَإِذا كَانَ الْحَاجِب مشفقا، لم يغْضب الْملك على أهل مَمْلَكَته، وَإِذا كَانَ النديم ناصحا، دلّ على انتظام الْأَمر ومصلحته.
وَأما حَال الْوَزير فِي الْخصْلَة الثَّانِيَة وَهِي الْعُلُوّ مَعَ الْملك: فَهِيَ أَن يخْدم الْوَزير الْملك مَعَ علو الهمة، لَا أَن يقْصد الْوَزير فِي خدمَة الْملك الطمع الْفَاسِد من زخارف الدُّنْيَا، وَأَن يكون الْوَزير عَزِيز النَّفس، قانعا بِأَدْنَى شَيْء من المَال، وَلَا يطول يَده فِي أَمْوَال الرّعية بِغَيْر إِذن الْملك، فَإِذا كَانَ الْوَزير على هَذِه الصِّفَات، ينظر الْملك إِلَى الْوَزير بِنَظَر الفراسة، وَيكون الْوَزير فِي نظر الْملك مَقْبُولًا، وَفِي قلبه محبوبا، وموقرا، ومحترما.
وَأما حَال الْوَزير فِي الْخصْلَة الثَّالِثَة، وَهِي الثَّبَات مَعَ الْملك: فَهِيَ أَن يكون الْوَزير فِي خدمَة الْملك صَاحب وَفَاء وعهد، وثابت الْقدَم، بِحَيْثُ لَو اجْتمع جَمِيع معاندي الْملك عِنْد الْوَزير، واجتهدوا، لَا يقدرُونَ على أَن يُغيرُوا الْوَزير عَن خدمته بِالصّدقِ، وَإِن عرضوا للوزير أَمْوَالًا كَثِيرَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute