للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وقني شر ما قضيتَ) قضيتَ بالفتح وما هنا اسم موصول ولا تصح أن تكون مصدرية لأنك لو قدرتها مصدرية لكان المعنى شر قضائك وحينئذٍ يحتاج إلى تأويل أما إذا جعلناها اسماً موصولاً صار المعنى وقني شر الذي قضيته فيكون الشر في المقضي وليس في القضاء ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (والشر ليس إليه) فالشر في المقضي وليس في قضاء الله أما قضاء الله الذي هو قضاؤه الذي هو فعله وتقديره فهو خير والشر الموجود في مقضياته شر نسبي تجده شراً في حال وخيراً في حال أخرى أو تجده شراً على أناس وخيراً على آخرين أليس كذلك المطر خير ورجل يبني وقد صب سقف بنائه الآن فجاءت الأمطار الغزيرة فصار هذا المطر على صاحب البيت شراً لكنه على غيره خير ثم هو بالنسبة لهذا الذي قضي عليه بذلك ليس شراً محضاً لأنه سيكون تكفيراً لسيئات عظيمة قال الله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فليس كل ما قضى الله على الإنسان من مصيبة تكون شراً قد تكون خيراً كثيراً يتبين فيما بعد (إنك تقضي ولا يقضى عليك) صدق تقضي ولا يقضى عليك أي تحكم ولا يحكم عليك ولهذا قال العلماء ليس للناس على الله حق واجب إلا ما أوجبه على نفسه وبذلك يقول ابن القيم رحمه الله:

ما للعباد عليه حق واجب ... هو أوجب الأجر العظيم الشان

كلا ولا عمل لديه ضائع ... إن كان بالإخلاص والإحسان

إن عذبوا فبعدله أو نعموا ... فبفضله والفضل للمنان

<<  <  ج: ص:  >  >>