ثالثاً ما استدل به المؤلف من عموم قوله صلى الله عليه وسلم (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) وهذا عام ولكن هذا الاستدلال بهذا الحديث يقتضي أن فضيلة الجماعة الثانية كفضيلة الجماعة الأولى أي أنها تكون بسبع وعشرين درجة وفي هذا عندي نظر فالظاهر أن الجماعة التي تكون أفضل بسبع وعشرين درجة إنما هي الجماعة الأولى أما الثانية فلا شك أن الجماعة أفضل من الانفراد ولكن لا تلحق أن تكون سبعاً وعشرين درجة هذا هو الظاهر هذا وقد بلغنا أن بعض العلماء قال إنها لا تعاد الجماعة إلا فيما إذا تصدق أحد عليه وهذا في الحقيقة من أبعد ما يكون عن القياس النظري وعن الدليل الأثري أما الدليل الأثري فقد علمتموه وأما القياس النظري فيقال إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تقام الجماعة مع شخص يُتصدق عليه فإقامتها مع شخص تكون فضيلة له من باب أولى لأن هذا المتصدق يقوم يصلي نفلاً والرجلان الداخلان اللذان فاتتهما الجماعة كل واحد منهما يصلي فرضاً فإذا جاز إقامة الجماعة في نفل فإقامتها في الفرض من باب أولى بل لو قال قائل إن الجماعة هنا تجب لكان له وجه لكن المؤلف يقول إنها تستحب وبناءً على قوله لو أن هذين الرجلين الداخلين تفرقا وصلى كل واحد وحده لم يكن عليهما إثم لكن فاتهما الأجر ولو قيل بوجوب الجماعة حينئذٍ لكان له وجه لكن الإنسان لا يجزم بوجوب الجماعة في مثل هذه الحال لأن الجماعة الواجبة هي الجماعة الأولى فإن قال قائل إن الذين يقولون لا تعاد الجماعة حتى في هذا الأمر العارض إلا في حال الصدقة استدلوا بأثر روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه دخل المسجد ومعه أصحابه وقد صلى الناس فانصرف إلى البيت وصلى فيقال في الجواب عن ذلك
أولاً إن ابن مسعود رضي الله عنه قد روي عنه أنه دخل المسجد فرآهم قد صلوا فصلى جماعة بأصحابه هكذا نقله صاحب المغني عنه فيكون لابن مسعود في ذلك قولان.