باعتبارها أصبحت متخارجة منه لا مفارقة له. إن هذا التفسير لظاهرة الوحي هو تفسير ظهوراتي، بمعنى أنه يقف على أرضية الإمبيريقية وهذا يفضي به إلى الالتحام بالمنهج الديالكتيكي الماركسي، فنصر حامد قد استثمر هذه المقولات لأجل تفسير ظاهرة كانت تعتبر في الفكر السلفي/المحافظ ظاهرة ميتافيزيقية، تفسيرا ماديا في حركتها وتحولاتها وتغيراتها وفي علاقاتها المتميزة (١).
والوحي في نظر أبي زيد شكل من أشكال الكهانة والسحر التي كانت شائعة في عصر النبي.
يقول صديق دربه إلياس قويسم: إن أولى المسوغات التي توسل بها نصر حامد لأجل إثبات واقعية الوحي وتاريخيته، هي الأوضاع والمؤثرات الفكرية والعقدية التي كانت سائدة في مكة قبل الإسلام، من هذه المؤثرات شيوع ظاهرة الكهانة والإيمان بالجن. فهذا القول بوجود جدليّة بين آلهة العرب وآلهة القرآن -لو استعملنا مصطلح خليل أحمد خليل- قد اتخذ شكل سيرورة في خط تصاعدي، فليس التالي بناف للسابق، بل على النقيض من ذلك، فهو يرى وجود ترابط وجدلية على مستوى المفاهيم، فلولا وجود تصور سابق في الذهنية العربية عن إمكانية الاتصال بين البشر والجن، لاستحال الإيمان بإمكانية وقوع الوحي، هكذا نعود إلى المقولة الرئيسية في فكر نصر حامد وهي أولوية الواقع، فالواقع أولا والواقع ثانيا والواقع أخيرا-كما يصرح هو في كتبه-. هنا يكمن المعنى الحقيقي في منظومة نصر حامد حول الوحي، فهو يطالب بالتخلي عن أيّ افتراض متعال مسبق، ومن ثم يدفع بتحليلاته نحو إيقاع تصور مناقض للسائد حول النص