وسنثبت بحمد الله في هذا الكتاب بما لا يدع مجالا للشك أن العلمانية مناقضة للدين باعتراف العلمانيين أنفسهم، وسنبين أن العلمانية كنظرية وتصرفات العلمانيين في كتبهم ومؤلفاتهم تناقض أصول الدين وفروعه.
وقد يتستر بعض العلمانيين خلف مناهضة الدولة الدينية، ومرادهم الدين نفسه.
ومع أن الإسلاميين كرروا آلاف المرات أنهم ضد الدولة الدينية التي تحكم بالحق الإلهي إلا أن العلمانيين أصروا على اتهامهم بها.
والعقل يقتضي أن سبب هذا الإصرار العلماني:
- إما أن الإسلاميين يدعون لدولة دينية.
- وإما أن دولة الخلافة الإسلامية كانت دولة دينية تحكم بالحق الإلهي.
ولكن لا هذا كان ولا ذاك.
والذي حصل هو أنه كان في أوربا دولة دينية يسيطر عليها رجال الدين ويحكمون فيها بالحق الإلهي، فعارضت فلسفة الأنوار هذه الدولة الدينية، فردد العلمانيون عندنا كالببغاوات ما قالوا، وحاولوا إسقاط التاريخ الغربي برمته وتفاصيله وأبعاده، فوقعوا في مغالطة مفضوحة ومهزلة مضحكة.
وقد بينت في الكتاب الأول وسأبين إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب أن العلمانية ليس فقط ضد الدين، ولكنها أسوأ من ذلك، إنها تسعى إلى أن تحل محله وتعمل على إقصائه عن واقع الحياة، وتحويله إلى نوع من الفولكلور.
وسيأتي معنا قريبا تصريح العلمانيين بأن هدفهم الحقيقي هو إقصاء الدين والإجهاز عليه، أو لنقل بعبارة مهذبة حسب أركون: تهدف إلى التخلص من البعد