وغالبا ما يعرض العلمانيون أنفسهم على أنهم متحررون من كافة الإيديولوجيات والمؤثرات الخارجية والمسبقة.
لنقرأ مثلا قول أركون في الفكر الإسلامي (٢١٣): وإنما كل ما أسعى إليه هو محاولة فرض قراءة تاريخية للنص القرآني، قراءة تمتنع منذ الآن فصاعدا عن أية عملية إسقاط إيديولوجية على هذا النص.
وغير خاف على أمثالنا أن النقد التاريخي الذي يتسلح به أركون هو إفراز غربي حداثي، له قيم وإيديولوجيا تقف خلفه، وله فلسفة للحياة ورؤية للكون تتحكم فيه.
يحاول أركون أن يوهمنا أن العلوم الإنسانية والنقد التاريخي شأنها شأن العلوم التجريبية كالفيزياء والكيمياء والرياضيات فكما استقبلنا هذه بدون تحفظ، فعلينا استيراد الأولى كذلك. مع أننا نفهم الفرق بين هذا وهذا جيدا، وأن العلوم الطبيعية تجريبية تخضع لمعطيات محسوسة شبه ميكانيكية ولهذا لا تكاد تجد بينها خلافات جوهرية، فما يكتشفه المتدين الصيني أو المسيحي يطابق ما اكتشفه العلماني الفرنسي مثلا.
أما العلوم الإنسانية وعلوم الاجتماع والنقد التاريخي فهي فلسفات أكثر منها علوم، تختلف نتائجها حسب المدارس الفلسفية التي تتباها.
والنقد التاريخي مثلا ليس رجلا منزها معصوما ينطق، بل الذين يقرأون وينقدون هم بشر لهم أفكارهم وقناعاتهم ونسقهم الإيديولوجي والفلسفي وخلفياتهم المعرفية.
قال أركون في الكتاب المتقدم نفسه (٢٣٠): أعتقد أن الألسنيات هي علم